المرأة هي الأساس الأول في بناء البيت، وهي ربته، ومحور الفلك الأسري كله، وهي قوام البيت، وخطورة شأن المرأة في الاجتماع الإنساني أمر تواضع عليه البشر أيًا كانت حالتهم في سُلم الحضارة، لأنه من أمور البداهة، وحكم من أحكام الفطرة، جاءت به الشرائع السماوية مع كل نبي ورسول لتأصله وتحدد اتجاهه ومساره الصحيح الذي يليق بالإنسان وغاياته في الوجود.

ولقد مرت المرأة في أطوار عديدة منذ أقدم العصور، فقد تأرجح وضعها، وفي الجملة كان وضعًا مثيرًا للشفقة لما حملته من امتهان وتقليل من شأنها، حتى جاء الإسلام بنوره، وبهدي نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمنحها الحقوق والواجبات، والمكانة العالية العظيمة، لأنها محور البيت، ومربية الأجيال، فهي الأسرة، والأسرة هي المجتمع، وبالتالي يتوقف على المرأة المجتمع كله، فإن صلحت صلح المجتمع. 

وإذا قلبنا صفحات التاريخ في القرون الوسطى، وجدنا أن المرأة الأوروبية كانت غارقة في بحار الجهل، في وقت كانت فيه لا تزال الشعائر الدينية والمفاهيم المسيحية ذات تأثير قوي وفعال في المجتمع الغربي، ففي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كانت أوروبا وأمريكا لا تزال في ظل قوانين الكنيسة، خصوصًا في المناطق الريفية، فلم تكن المرأة في المنظور الغربي الحديث واضحة الكيان، بل كانت ضحية الأزواج لضعفها وقلة قدرها. ولم يتغير وضع المرأة الأوروبية بعد التعديل الذي طرأ على الوضع الاجتماعي، وبعد التخلي عن مبادئ الكنيسة أو الدين، في نهاية القرن الثامن عشر في أعقاب الثورة الفرنسية، التي أعلنت حقوق الإنسان في الحرية والإخاء والمساواة، إلا أنها لم تشمل المرأة بالنصيب الحقيقي في هذه القوانين، فقد اعتبر القانون الفرنسي القاصرات هم: الصبي والمرأة، وفي إنجلترا كانت النساء حتى عام 1850 غير معدودات من المواطنين، ولم يكن لهن حق التملك، وعانت المرأة الغربية من العنف الزوجي، معاناة شديدة مع تقدم المدنية والحضارة والعولمة والحداثة وما بعد الحداثة، والعدمية وما بعد العدمية.

لكن الوضع كان جد مختلف في الإسلام، فقد كفل المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق الإنسانية، ولم يقرر التفاضل إلا في بعض الملابسات الخاصة بالاستعداد والخبرة والتبعة، مما لا يؤثر على حقيقة الوضع الإنساني للجنسيين، فالرجل والمرأة من الناحية الدينية والروحية متساويان. قال تعالى فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى بعضكم من بعض (آل عمران: آية 195)، فأعطاها الإسلام الحق في التعليم، وجعلها مسؤولة عن الزوج والأولاد والبيت، ومنحها العفة حتى تجد الزوج، وفرض على زوجها معاشرتها بالمعروف، وجعلها له البيت الهادئ الساكن، وحصنها وأعفها عن الفتن، وجعلها مصدر الحب والحنان لزوجها ولأولادها، وبالتالي تسود القيم المجتمع، وتوجد الأسر المترابطة.

ولو قارنا بين الحقوق التي مارستها المرأة في ظل الإسلام، والتي لم تكن معروفة من قبل، لعرفنا البون الشاسع بين وضعها قبل الإسلام وبعده، لأنها كانت في الجاهلية مهانة ووضيعة، وكان المجتمع العربي يعتبرها مصدر عار وذل ويسود وجهه إذا بشر بمولودة أنثى، وكان السبب الرئيس لذلك هو أن عمليات السبي التي تعرضت لها الأنثى كانت تؤدي إلى ضياع هيبة القبيلة وكرامتها، فلما جاء العهد النبوي أحدث ثورة قانونية واجتماعية جعلت للمرأة مكانة لم يعرفها العرب من قبل، فجعلها ندًا للرجل وشريكًا له في الحياة الاجتماعية، ولعبت المرأة أدوار في الجهاد؛ فالنسوة كُن يخرجن مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان دور المرأة آنذاك ينحصر في التمريض وسقيا المجاهدين العطشى، وفي بعض الحالات مارست القتال شأن الرجل.

وفي هذا الإطار يحاول الكتاب الموسوم "المرأة في المجتمع الأندلسي من الفتح الإسلامي للأندلس حتى سقوط قرطبة" للدكتورة راوية عبد الحميد شافع، أن يعطي نموذجًا عمليًا لدور المرأة في المجتمع الإسلامي من خلال تقديم نماذج من دورها في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية والأدبية والاقتصادية، لتدلل على مكانة المرأة في المجتمع الأندلسي بصفة عامة. وقد أوضحت الباحثة هدفها من الدراسة بأنه إلقاء "الضوء على حقبة تاريخية مهمة في تاريخنا الإسلامي المجيد، فيما يتصل بحياة المرأة الأندلسية المسلمة ومكانتها، في فترة زمنية معينة، وهي فترة حكم الدولة الأموية في الأندلس" على مدى ما يقرب من ثلاثة قرون وثلث القرن (92هـ/ 711م-422هـ/ 1031م)، ولا شك أن المرأة الأندلسية تمتعت بمكانة خاصة في ظل دولة بني أمية في الأندلس قلما نجدها في عصر آخر سابق أو لاحق، فقد كان حضورها قويًا على مسرح الأحداث الاجتماعية والسياسية والعلمية والاقتصادية وغيرها.

والكتاب في الأصل دراسة أكاديمية مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الآداب شعبة التاريخ الإسلامي، أشارت الباحثة إلى أن اختيارها لهذا الموضوع (ربما يبدو غريبًا للوهلة الأولى)، إلا أنها اعتبرته (موضوع العصر، رغم أنه يناقش فترة زمنية مضى عليها وقت ليس بقصير، فقد كثر الحديث في عصرنا الحالي عن المرأة وحقوقها، وما يهمنا هنا محاولة إبراز أن المرأة الأندلسية المسلمة نالت حقوقها كاملة، ولكن في إطار الشريعة الإسلامية وليس في إطار أي نظم أندلسية أخرى).

وقسمت المؤلفة الكتاب إلى أربعة فصول، مهدت لها بدراسة تمهيدية حاولت فيها إبراز دور المرأة في المجتمع بصفة عامة، مع التركيز على بعض النماذج المشرقة، وإبراز حقوق المرأة التي كفلها الإسلام، وواجباتها في المجتمع الإسلامي. كذلك تناولت تاريخ الأندلس من خلال عرض سريع مع ربط الأحداث التاريخية بمدى تواجد المرأة على مسرح الأحداث في الأندلس منذ بداية الفتح الإسلامي.

وفي الفصل الأول المعنون (دور المرأة الاجتماعي في الأندلس) تناولت الزواج المختلط بين الفاتحين المسلمين للأندلس والأسبانيات، من الفتح الإسلامي حتى سقوط الخلافة الأموية، في محاولة للإجابة على تساؤل: هل دخل الفاتحون الأندلس أفرادًا كجنود عسكريين فقط أم دخلوا في صحبة عائلاتهم وأسرهم؟ مبرزة الزيجات التي تمت بينهم وبين الأسبانيات. وتطرقت إلى التسري بالإماء والجواري عن طريق السبي موضحة مدى حب بني أمية للجواري الأسبانيات وخاصة الشقراوات منهن. ثم تناولت طبقة المولدين، والتي جاءت نتيجة للزواج المختلط والتسري بالإماء والجواري، ومدى تأثير وتأثر هذا العنصر السكاني الجديد في الحياة الأندلسية، ثم انتقلت إلى أثر النساء المولدات والمشرقيات في تجديد فن الغناء والموسيقى، وتطرقت لعادات المرأة الأندلسية في الزي واستخدام أدوات الزينة والتزين بالحلي والتطيب بالعطور، واختتمت الفصل بالزواج والطلاق موضحة مدى تمسك المرأة ببعض الحقوق في وثيقة زواجها بل أحيانا وصل الحد بها إلى إملاء بعض الشروط بالوثيقة.

وتوصلت في نهاية هذا الفصل، بعد أن ناقشت الآراء المتضاربة حول دخول الفاتحين من العرب والبربر الأندلس، إلى أنهم دخلوا الأندلس أفرادًا وجماعات في آن واحد، ويؤكد هذا تواجد المرأة على مسرح الأحداث منذ بدايات الفتح الإسلامي، وأن هناك زيجات مختلطة حدثت بين الفاتحين الجدد وبين الأسبانيات من أهل البلاد، كما أوضحت أن الأندلسيين لم يعملوا على سجن نسائهم وعزلهن عن الحياة العامة، وإنما عملوا على المحافظة عليهن وعدم ظهورهن بشكل غير لائق قد يسيء إليهن، وإلى الإسلام، والدليل على ذلك أن المرأة لم تتعرض لأي نوع من الضغط أو العزلة، بل أدت دورًا حضاريًا رئيسيًا. 

كما أوضحت أن أسبانيا الإسلامية عرفت ظاهرة التسري بالإماء والجواري مثل باقي الأقطار الإسلامية، وإن كان وضع الجارية قد اختلف اختلافًا كبيرًا عن أي مجتمع آخر غير إسلامي، فقد حظيت الجواري بمكانة رفيعة لم تعرفها المرأة الجارية في مجتمع آخر غير إسلامي سابق أو لاحق، وأثبتت أيضًا أن الحياة الاجتماعية والعاطفية بل والعلمية للجواري كانت أكثر نشاطًا وتفوقًا عن حياة غيرها، وبخاصة الحرائر، وذلك لما تمتعن به نسبيًا من حرية أكثر من الحرائر.

كما قارنت بين أراء بعض المستشرقين الذين اعتبروا البيت الأموي بيتًا مولدًا من الدرجة الأولى، وبين شعور وتصرفات بني أمية الذين اعتبروا أنفسهم عربًا أقحاحًا، رغم كون أمهاتهم أسبانيات، بل ذهب بعضهم إلى دفع أموال كثيرة لمجرد ادعاء النسب العربي، ومن نتائج ظهور طبقة المولدين أيضًا ظهور ما عرف في التاريخ والأدب الأندلس بحركة الشعوبية وهي حركة ظهرت في المشرق الإسلامي من قبل، وانتقلت إلى الأندلس، وهدفها مهاجمة الجنس العربي والسيادة العربية كعنصر حاكم، وليس مهاجمة الإسلام كدين.

وأبرزت مدى حب أهل الأندلس للغناء والموسيقى، وبخاصة في عصر الدولة الأموية، فقد شجع أمراء بني أمية الحركة العلمية والفنية في الأندلس، واستقدموا لذلك الكثيرات من الجواري المشرقيات البارعات في هذا المجال، وبلغ من حب الأندلسيين لفن الغناء والموسيقى أن ابتكروا منتجًا أو لونًا جديدًا عرف بالموشحات، وكانت (الخرجة)، وهي مركز الموشح لابد أن تكون على لسان فتاة، ويعتبر هذا الفن ثورة في الشعر العربي كله، وحركة من حركات التجديد فيه، كما أكدت أن المرأة الأندلسية كان لديها حرية كبيرة في اختيار شريك حياتها، بل ومن حقها أن تملي كثيرًا من الشروط في وثيقة زواجها، ومن حقها أيضًا، إذا ما وقع عليها ظلم أو جور في هذا الزواج، أن تلجأ إلى القاضي، الذي كثيرًا ما يرد لها اعتبارها بأن يعاملها زوجها معاملة حسنة، وإما أن يطلقها منه القاضي.

وفي الفصل الثاني (دور المرأة في المجال السياسي في الأندلس) أوضحت مدى تأثير أمهات الأولاد على الولاة والأمراء والخلفاء في عصر الدولة الأموية، ما أدى إلى مشاركة المرأة في الأحداث السياسية، وإن كان معظمها كان يحدث وراء الكواليس بالتأثير على أزواجهن وأولادهن، فتحدثت عن: (أيلة) أو (إيخلونا) زوجة الأمير عبد العزيز بن موسى، وكيف اتهمت بأنها أحد الأسباب التي أدت لمقتل الأمير بتسلطها عليه وبسماعه لنصائحها وتنفيذها. و(سارة القوطية) وكيف كانت العنصر النسائي الأول في ظهور طبقة (المولدين). و(عجب) ومكانتها لدى الأمير الحكم الربضي. و(طروب البشكنسية) ذات السطوة في عهد عبد الرحمن الأوسط، ودورها البارز في محاولة وضع ابنها عنوة على كرسي الإمارة في الأندلس وفشلها في تلك المحاولة. و(در) أو (ونقة) بنت فرتون البشكنسية جدة الخليفة عبد الرحمن الناصر. و(صبح البشكنسية) ودورها البارز والمهم في حياة زوجها الحكم المستنصر، ثم الحاجب المنصور بن أبي عامر. واختتم الفصل بأمهات ولد المنصور بن أبي عامر: عبدة بنت شانجة البشكنسية وتيرس أو تاراسيا بنت برمودة الثاني ملك ليون، وأبرزت عمليات المصاهرة التي تمت بين المنصور وملوك أسبانيا المسيحيين، وكيف أهدوه بناتهم على سبيل المهادنة وكسب الود.

وأثبتت في النهاية أن المرأة الأندلسية لعبت دورًا كبيرًا في مجال الحياة السياسية في الأندلس؛ فدسائس البلاط ومؤامراته كانت لا تنتهي، ولكنها غالبًا ما تنتهي بالفشل، ومن أبرز هذه المؤامرات تلك المؤامرة التي دبرتها طروب لزوجها الأمير عبد الرحمن الأوسط، وإن كنا لم نتوصل إلى نهاية حاسمة حول مصير طروب لصمت المصادر عن هذا الأمر، كما أبرزت دور السيدة صبح البشكنسية في مجال الحياة السياسية، وكيف هادنت المنصور ابن أبي عامر حتى تضمن الحكم لولدها هشام المؤيد، ثم بعد ذلك تنقلب عليه بعد أن تشعر بأنه قد حجب ولدها واستأثر بالحكم لنفسه، بل وتحاول تهريب الأموال والاستعانة بحليفها المغربي زيري بن عطية المغراوي لولا أن المؤامرة كشفت وقضى عليها المنصور. وبينت كيف أن ملوك النصرانية أذعنوا أمام هجمات المنصور بن أبي عامر المتوالية عليهم، بل وأهدوه بناتهم كزوجات وسراري، ومنهن من أسلمت وحسن إسلامها وأنجبت له الكثير من الأولاد.

وفصلت في الفصل الثالث المعنون (دور المرأة في المجال العلمي في الأندلس) دور المرأة في الأدب الأندلسي، مع ذكر أمثلة لشاعرات الأندلس المشهورات مرتبة إياهم ترتيبًا تاريخيًا من بداية الفتح حتى نهاية الدولة الأموية، في محاولة لإبراز دور كل منهن ومدى ما أسهمت به في مجال الحياة العلمية والأدبية في الأندلس، أمثال العجفاء، حسانة التميمية، مريم بنت أبي يعقوب الأنصاري، الغسانية البجانية، حمدة أو حمدونة بنت زياد المؤدب، ولادة بنت المستكفي، مهجة القرطبية. ثم تطرقت إلى الكاتبات والمعلمات والخطاطات والمذهبات، فأوضحت الأنشطة العلمية التي ساهمت فيها المرأة من خلال كتابتها للمخطوطات والكتب الثمينة والتعليم وتذهيب المصاحف وتزينها.

ثم اختتمت بالحديث عن شعر الحب والغزل عند المرأة ما قيل فيها وما قالته، وأبرزت كيف كانت المرأة الأندلسية صريحة في إبراز مشاعرها بدون تورية أو مدارة. لتؤكد على أن المرأة الأندلسية قد أثبتت جدارتها في مجال الإبداع العلمي والأدبي، فقد بلغت كثيرات منهن مكانة عالية وشهرة واسعة زاحمن فيها الرجال، ونلن في ظل هذه الحضارة الراقية مكانة سامية، وقدمت أمثلة كثيرة لشاعرات الأندلس المشهورات ولغيرهن ممن شاركت وبرعن في مجالات الحياة العلمية كالكتابة والتعليم والتخطيط والتذهيب وغير ذلك. وأبرزت كيف أن المرأة الأندلسية إذا فاضت بها مشاعر الحب والعشق عبرت عن مشاعرها بحرية، بل أحيانًا تأخذ زمام المبادرة في كلمات رقيقة غاية في العذوبة والجمال.

أما الفصل الرابع والأخير فقد تناول (دور المرأة في المجال الاقتصادي في الأندلس)، فأوضحت المهن والصناعات التي مارستها المرأة الأندلسية، وضربت أمثلة على ذلك منها صناعات الأطعمة والأشربة والغزل والفقه والتوليد والخاطبة وغيرها، ثم انتقلت إلى الحديث عن أسواق الجواري وأنواعهن، وذكرت أن الإسلام لم يعمل على إيجاد ظاهرة النخاسة والعبيد أو الرق، بل كانت موجودة بالفعل، بل ومستشرية قبل ظهور الإسلام، وعلى العكس عمل الإسلام على القضاء عليها، وهذا ما حدث بالفعل تدريجيًا، ثم انتقلت إلى حالة الجواري الاقتصادية، وكيف كانت الجواري يملكن الثروات الطائلة، ما مكنهن من إقامة بعض المنشآت الدينية والدنيوية الخاصة بهن. وتحدثت عن مكانة المرأة في المجتمع بصفة عامة، وكيف وصل الحد بالمجتمع الأندلس لأجل المحافظة على النساء إلى درجة استنفار الحملات الحربية للدفاع عن امرأة أسيرة مسلمة وقعت في أيدي الأعداء.

وبعد أن شرحت دور المرأة الاقتصادي أوضحت كيف أنها تمتعت باستقلال اقتصادي بارز من خلال امتلاكها لكل سبل الثروة من عقار وأراضي وغير ذلك، بل وإدارة تلك الثروات بنفسها، ومارست أيضًا العديد من المهن والصناعات العامة كالغزل والنسيج والبيع والشراء والتوليد والخاطبة، وفندت رأي ابن عبدون حول عدم مقدرة المرأة على ممارسة مهنة الطب في حين أن تلك المهنة تعتبر من المهن التي خُلقت أساسًا للنساء، لما تطلبه من رحمة وعطف وهي صفات تتوافر في المرأة أكثر من الرجل. وتطرقت لأسواق النخاسة وأصناف الرقيق من النساء، وكيف أن الإسلام نظرًا لتفشي وانتشار هذه الظاهرة لم يعمل على إلغائها مرة واحدة، ولكن بالتدريج، فمع مرور الأيام لم يعد هناك رق، وضربت أمثلة لبعض الرقيق ممن وصلوا إلى مناصب القيادة من الرجال، أما النساء فقد تضخمت ثروات الكثيرات منهن، إلى حد إقامة المنشآت العمرانية الضخمة من أموالهن الخاصة مما يدل على دورهن الإيجابي في المجتمع الأندلسي.

وأخيرًا اختتمت بنتيجة هامة هي أن وضع المرأة الأندلسية لم يكن بالتدني الكبير الذي تصوره لنا كتابات بعض المستشرقين، وأيضًا لم يكن فيه حرية رائدة خارجة عن التقاليد والعادات الإسلامية، وإذا كان المجتمع قد سمح للمرأة الأندلسية بشيء من حرية الاختلاط، فقد كان اختلاطًا منظمًا متقننًا، يصونها ويحافظ عليها في المقام الأول، ولعل علو مكانة المرأة الأندلسية يتجلى بوضوح في تلك الأمثلة الشعبية الرائعة، التي تقوم على استنفار الحملات العسكرية الضخمة لإطلاق سراح امرأة أسيرة استصرخت الحاكم فهب من فوره لنجدتها وردها إلى أرضها وأهلها. فقد أفسح المجتمع المجال للمرأة الأندلسية في المجالات كافة، فاستجابت وأعطت وأبدعت وخرجت من هذا كله في صورة مشرفة ومشرقة أشاد بها مؤرخو عصرها والعصور اللاحقة.

وما يعطي لهذه الدراسة أهمية خاصة، هو قيامها على مادة علمية قليلة متناثرة في كتابات المؤرخين، في المصادر العربية والأسبانية، الأمر الذي تطلب من الباحثة مرونة فائقة في معالجة الموضوع، حتى استطاعت في النهاية، الخروج بموضوع مترابطًا متكاملا، ملقية الضوء من خلاله على كافة الجوانب الخاصة بحياة المرأة الأندلسية في عصر الدولة الأموية في الأندلس، متناولة الآراء التي أثيرت حولها، وخاصة بين المستشرقين، بالدراسة والتحليل والنقد، رغم تناثرها واختلافها، مشيرة إلى أن منهم من انزلق إلى أحكام خاطئة وجائرة أحيانًا، ففندت تلك الآراء، ملقية الضوء على المرأة الأندلسية، وكل امرأة مسلمة، مقدمة صفحة من تاريخ المرأة المسلمة، من خلال نموذج يحق لها أن تقتدي به، وتفخر بإنجازاتها الرائعة على الساحة الأندلسية، الأمر الذي يجعل من هذه الدراسة إضافة قيمة للمكتبة العربية.

ويكفي أن نختم بما ذكره جوستاف لوبون من أن: (الإسلام كان ذا أثر عميق في حال المرأة في المشرق، فقد رفع مستواها الاجتماعي خلافًا للمزاعم المكررة على غير هدى، والقرآن قد منح المرأة حقوقًا في الميراث بأحسن مما في قوانيننا الأوروبية، ولعبت المرأة دورًا في منتهى الخطورة فقد كان منهن العالمات البارعات، والشاعرات الماهرات، ممن ذاع صيتهن في العصر العباسي في المشرق، والأموي في الأندلس). 

علي عفيفي علي غازي
باحث دكتوراه في تاريخ العراق الحديث

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار