أكتبُ للفنانة الراحلة التي لن تقرأ، ولن يبلغها أحد ما كتبتُ.

أكتبُ لمن لا تريد معرفة أي شيء عن هذا الكون المليء بالآلام، والذي لم تصدق كيف تخلّصت منه، فكيف تهتم بمقالٍ؟

داليدا الأسطورة القادمة من إيطاليا، والتي كبرت بين المصريين وتشرّبت شهامتهم ونبلهم، واحترفت الفن، فأصبحت عالميةً لا يقيّد نجاحها مقياس أو حدود جغرافية.

اليوم يصادف ذكرى رحيلها المأساوي بالنسبة لمحبيها، لكن الأجمل بالنسبة لها بعدما أنهت حياةً بائسةً منحتها كل شيء، ما عدا السعادة الداخلية.

٣ مايو من عام ١٩٨٧، قررت النجمة العالمية إنهاء رحلتها وكتبت: (سامحوني الحياة لم تعد تحتمل).

نالت الشهرة، كسبت المجد، حصدت الجوائز، دخلت منازل الملايين، امتلأت أرصدتها بالملايين، لكنها خسرت أمام الحياة.

أحبت داليدا ثلاثَ رجال، انتحروا جميعهم بشكل لا يُصدق، وكأن القدر أرسل لها دلالات لم تفهمها إلا بعد المرة الثالثة: لا الحب لكِ ولا الحياة أيضًا.

لم تحقّق فنانةٌ عربية نجاحَها، ولم تبلغ ذروة نجوميتها، وكل الصراعات التي دخلتها وتدخلها نجمات العرب من أجل احتلال الصدارة اليوم أو أمس أو الذي قبله، لم تعنِها.

أكتبُ لداليدا التي لن تعيد تغريد هذا المقال، ولن تعجب به، ولن ترسل لي رسالة شكر أو امتنان.

أكتبُ لنجمة عاشت زمنًا أجمل من زمن (السوشيال ميديا)، ومع ذلك لم تطرق السعادة بابها.

الشهرة مجدٌ زائف، وأضعف من أن ترسم ابتسامةً.. لمَ؟

  • داليدا لم تسقط يومًا، وحافظت على ثباتها الفني، وغنت بكل لهجات العالم.
  • دخلت مجال التمثيل وفي مصر قبل رحيلها، لعبت بطولة فيلم (اليوم السادس) الذي أخرجه الراحل الكبير يوسف شاهين.
  • حصلت على جوائز الكون، وحضرت أهم المناسبات وأجرت أجمل اللقاءات.
  • يقول النقاد الفرنسيون إن جمهورها في فرنسا كان يملأ الساحات الخارجية إن أقامت حفلًا أو مهرجانًا.

من حقق هذا سواها؟ ومع ذلك قررت الانتحار.

قبل رحيلها أيضًا غنت مع خوليو إجلسياس أغنية (La Vie En Rose)، أي الحياة الوردية التي لم تعشْها، تمايلت، رقصت، تغزلت حبًا بنظراتها نحوه، وكأنها تتخيله حبيبًا أمامها.

من حضرها آنذاك، قال ما أسعد هذه السيدة وما أجمل حياتها!

داليدا كذبت، كانت تمثّل، لكنها كانت مبدعة، أقنعت الجميع آنذاك في الثمانينات.. حتى الآن وهي لا تسمعني، شاهدت الفيديو مرات وصفّقت، ما أمهر هذه السيدة، كيف استطاعت أن تبعد مشاكلها وآلامها كلّما أطلت، وتصطنع كل تلك المشاعر والابتسامات المزيفة؟

لن تقرأ داليدا ما أكتبه، ولن تشاهد الفيديو التي ظهرت به أدناه مرة أخرى.

فقط نحنُ، المتابعون، النجوم..

انظروا وتعلّموا، لا شيء باقٍ في هذه الحياة، لا شيء يستحق حروبكم ونزاعاتكم حول المراتب، فسيدة الساحة العالمية لم يغرِها إلا الموت.

عبدالله بعلبكي – بيروت

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار