في الوقت الذي يخونها صوتها تلك المطربة التي تعرضت لفضيحة خلال أدائها في أحد المهرجانات وهي تستعرض مساحات لا تمتلكها.. وتلك التي لم يجتمع سوى بعض المئات في مهرجان أحيته خارج البلاد.. وهاتيك التي تصدر ألبوماً فاشلاً تلوى آخر وتمضي أيامها مع رجال الأعمال تعتاش من خيرات نعالهم..
ها هي إليسا تتفوق على الجميعات قبيل ساعات في وسط بيروت ضمن مهرجانات (أعياد بيروت) وقد اعتلت المسرح بخفة ولطف وابتسامة دون أن تخسر وقارها وأمام الآلاف من عشاقها صدحت (وحشتوني) للراحلة اللكبيرة وردة.
إليسا لا تعاني عقدة الأنا وإن كانت في آن تملك الكثير من الاعتزاز بالنفس لكن دون أن يأخذه الكِبر إلى التكبر وما اعتبرت عيباً أن تفتتح ليلتها بأغنية ليست من أغنياتها لأنها تحب المسرح ىوالجمهور أكثر من عقدة حب الذات.. ولأنها تدرك أنها معشوقة وأن أغنياتها تسجل الرقم الأول في الاستماع والمشاهدة.
غنت دون أن يرف لها رمش ودون أن يتقاعس صوتها ولو لثانية ورغم أن الغناء في الأمكنة المفتوحة يعرّض أي مطرب لخطر الوقوع بغلطة لكنها تغلبت على الهواء الطلق لتنطلق عصفورة تغرد بصوتها وحركتها الخفيفة مثل عصفورة الكناري.
وحين أدت أغنية (يا مرايتي) دمعت ودمعنا.. وكأن إليسا تحتفظ بكم من الأسرار مع مرآتها مثلنا أو أكثر.. إلى جانبنا كانت تجلس مي شدياق هي الأخرى دمعت.. قالت إليسا لي من على المسرح ولاحظت أني أراقبها بحزن فقالت بعفوية: عمينزلوا دموعي يا ست نضال.. وحين هززت برأسي أسألها لم؟ هزت برأسها ويديها مشيرة أنها لا تعرف.. ثم أكملت تلهب الأجواء بعد أن صدر صوت عالٍ في الصالة يستنكر دموعها متأثراً ورافضاً في آن.
وحين غنت (عكس الي شايفينها) عادت ودمعت ثم مسحت دمعتها بسرعة.. لكني لم أتمكن من تماسك نفسي ودمعتُ سراً لأن أغنية (عكس الي شايفينها) تعبر عنا جميعاً نحن الذين يسقط الضوء فوق رؤوسنا اخترناه ربما أم اختارنا!
ولأن الأغنية كرمت من خلالها إليسا واحدة من أغلى صديقاتي وهي الراقصة الراحلة ابنة العز وبنت البيت العريق (ابنة واحدة من أهم عائلات بيروت داني بسترس التي كانت تعيش في قصر هو واحد من أهم قصور ست الدنيا.. لكن عاشت حياتها معذبة منذ اختارت أن ترقص فقامت قيامة عائلة بسترس ليموت ابن داني الوحيد ولتعيش عقبى مأساتها كماً هائلاً من العلاقات الفاشلة والخيبات المتراكمة ما أودى بها إلى موت غامض سُجل على أنه انتحار! والحقيقة بين أيدي ذاك الذي قتلها).
الاعلامية اللبنانية أو الشهيدة الحية مي شدياق التي كانت تجلس في المقاعد الأمامية طلبت من إليسا أغنية (عبالي حبيبي) فلبّت إليسا طلبها، وغنّت بإحساس عالٍ جداً وخلال غنائها لاحظنا أن مي تأثرت كثيراً وبكت بصمت فكرجت دموعها على وجهها لى مدار الأغنية..
إليسا لم تكتفِ بأغانيها القديمة والجديدة فقط بل غنّت للكبار مثل أغنية (بقولو صغير بلدي)، و(سألتك حبيبي) للسيدة فيروز، و(لولا الملامة) للراحلة وردة الجزائرية.
وفي ختام حفلها أدّت أغنية (سهرنا يا ليل) فوقفنا كل من في الصالة نصفق تقديراً لهذه الفنانة الرقيقة وصاحبة الهيبة والوقار وصفّقنا لها وتحوّلت الصالة من رومانسية إلى ساحة حماس وغناء وهيصة وفرح.
إليسا سيدة مسرح وأستاذة غناء وأفضل من تتقن اختيار الأغاني وتشكل خطراً على كل النجمات العربيات فقط لأنها لا تعاني عقدة الغيرة ولا الإدعاء ولا يعنيها ما يقولون وإن قرأت نقداً مفيداً تسارع إلى تحسين نفسها لا ممارسة العجرفة والاستعلاء.
نضال الأحمدية Nidal Al Ahmadie