غالباً ما تعتمد المرأة العربية على العاملة الأجنبية في إتمام الأعمال المنزلية اليومية، ناهيك عن الإهتمام بالأطفال لدرجة تسمح لها بأن تأخذ دور الأم بأكمله. وأصبح ذلك مشكلة أساسية في مجتمعنا العربي، يؤثر على الأطفال من جهة وعلى الأسرة من جهة أخرى. وقد تعود أسباب تعيين عاملة أجنبية من الجنسية الآسيوية أو الإفريقية إلى عدم توفر الوقت اللازم للاهتمام بهذه الأمور بحكم عمل المرأة لساعات طويلة أو عدم قدرتها على إنجاز المهام المنزلية بمفردها لأسباب صحية أو بسبب الشيخوخة، وبالتالي تحتاج إلى مساعدة أجنبية.

من جهة أخرى، قد يتم استخدام عاملة أجنبية بدون أي سبب وجيه ويعود ذلك إلى حبّ المرأة للتباهي أو لتخفيف العبء الصغير عنها فحسب.. ورغم كل الأسباب المحتملة، تأتي هذه العاملة بهدف تأمين لقمة عيشها لعلّها تحقق مستقبلاً أفضل لها ولعائلتها الفقيرة كأي شخص آخر. لكنها تصطدم في بعض الأحيان مع واقع مرير، يجرّدها من كرامتها وآمالها ويدفعها في بعض الأحيان إلى الانتحار. إذ يتعرّض بعضهن للعنف والاعتداء الجسدي والنفسي والجنسي يوميًا وتتحول حياتهن إلى مشهد من الاستعباد والألم والمعاناة. وأصبحت هذه المشاهد صورًا نراها في محيطنا أو عبر وسائل الإعلام أو غيرها، سواءً في العالم العربي أم في الغرب. حادثة انتحار العاملة الأجنبية في الضاحية الجنوبية مثلاً، التي ألقت نفسها من الطابق السابع قبل أن يصل المسعفون ويضمدون جروحها البالغة.

عاملة أجنبية في الضاحية الجنوبية لبيروت
صورة العاملة الأجنبية في الضاحية الجنوبية لبيروت

وأطلقت جمعية (كفى) حملة “لا تدفعوها لارتكاب جريمتكم” و”نحو حماية قانونية لعاملات المنازل في لبنان”، تسلّط فيها الضوء على هذه الفئة من العمّال، التي تعاني من فقدان أبسط حقوقها الإنسانية ومن التمييز الطبقي والعرقي، ومن كافة أنواع التعذيب والاعتداءات. وذلك بعد أن ارتفعت نسبة الوفيات في صفوف هذه الفئة والتي تشكّل بأغلبيتها نساء مهاجرات لا يحميهّن القانون، لأن قانون العمل لا يشملهنّ ولا يخصص لهنّ آليات الشكاوى.

كما وقعت في الكويت حادثة مماثلة نوعًا ما، حين ألقت الشرطة الكويتية القبض على امرأة بعد أن نشرت مقطع فيديو لعاملتها الإثيوبية على السناب شات التي كانت تتدلّى من الطابق السابع محاولة الانتحار. وأظهر التسجيل المصوّر العاملة الأجنبية متشبثة بشرفة المنزل وهي تصرخ طالبة المساعدة. إلّا أن كفيلتها اكتفت بتصويرها بدم بارد والقول: (يا مجنونة، تعالي.) من دون إظهار أي محاولة أو جهد لمساعدتها. ومن ثم سقطت العاملة على سطح معدني خفف من وطأة الصدمة بعض الشيء. وبالتالي نُقلت إلى المستشفى بعد أن كسرت ذراعًا وأصيبت بنزيف في أنفها وأذنها.

فيديو للعاملة الأجنبية في الكويت
صور من مقطع الفيديو الذي نشر على السناب شات في الكويت

أما في أميركا فيشير التقرير الإحصائي عن العاملات الأجنبيات في الولايات المتحدة إلى أن جليسات الأطفال وعاملات النظافة ومقدمي الرعاية يشكلون جزءًا أساسيًا من اقتصاد الولايات المتحدة لكنهن نادرًا ما يظهرن إلى الرأي العام، كما أنهن يتعرّضن للاعتداءات ولا تتم مكافأتهن بما فيه الكفاية. فالعاملة (آنّا) من الجنسيّة الفليبينية كانت تعمل جليسة أطفال لدى عائلة في (مانهاتن). كان يبدأ نهارها عند الساعة السادسة صباحًا ولا ينتهي قبل الساعة العاشرة مساءًا. إذ إنها تهتم بالطبخ والغسيل وتلبّي حاجات الأطفال. ولم تأخذ يوم إجازة لمدة 15 شهرًا وكانت تجني 1.27 في الساعة. إلّا أن (آنّا) تُعتبر جزءًا من نظام عاملات خفيّات أغلبهن من النساء والأقليّات، يسمحن للعديد من الأميركيين بتسيير أمورهم الحياتيّة، بحسب التقرير.

احتجاج ضد الاستعباد
“نحن عمّال ولسنا عبيدًا”

وفي هونغ كونغ، تمّ توقيف امرأة صينية تدعى (لو وان-تانغ) بعد أن اتهمت بالاعتداء على عاملتين من الجنسية الإندونيسية. ويقول المحقق (تشان واي-مان) إنه تم القبض على (لو) بعد أن تقدّمت العاملتان بشكوى ضدها تؤكّدان فيها أنهما تعرّضتا للضرب ولتعذيب مطوّل أثناء عملهما لديها.

لو وان-تانغ
إلقاء القبض على لو وان-تانغ

لكن في بعض الأحيان قد تنقلب الأدوار، ويصبح صاحب(ة) العمل أو المنزل الجهة المتضررة. نادرًا ما يبرز الإعلام هذه القضية من هذا المنظور بل يحاول التركيز على جانب واحد من القضية فحسب، رغم تعرّض الكثير من أصحاب العمل لاعتداءات من هؤلاء العمّال ومنها السرقة أو القتل أو الاعتداءات الجسدية والمعنوية على الأطفال مثلاً أو على أصحاب العمل مباشرة وهذا ما حصل مع الاعلامية اللبنانية الكبيرة ماغي فرح.

لابدّ من تسليط الضوء على الجانب الآخر أيضًا. وقصة الإعلامية ماغي فرح خير دليل على ذلك. إذ وقعت السيدة ماغي ضحية عاملاتها من الجنسية الفلبينية، بعد أن حاولن قتلها من خلال وضع أقراص مخدرة وسامة في مأكلها ومشربها لمدة أسابيع، وذلك ليتسنى لهن الخروج من المنزل لتمضية الوقت مع الرجال واصطحابهم بعد ذلك إلى غرفهنّ بينما صاحبة المنزل غارقة في نوم عميق نتيجة الأقراص المنومة والسامة.

الإعلامية ماغي فرح
الإعلامية اللبنانية ماغي فرح

أما الاستعباد أو الرقّ فهو ظاهرة عريقة قديمة جدًا. يعود إلى زمن الجاهلية، حين كانت القبائل المنتصرة تأخذ نساء القبائل المهزومة عبدات وجواري لها. وتجارة الرقيق كانت نوعًا من ممارسة العبودية أثناء فترة سيطرة القادة العرب. ولم تكن مقتصرة على شعب معين أو لون معيّن فحسب بل كانت تأتي من شعوب مجاورة لمنطقة الشرق الأوسط. أما في القرون الوسطى فكانت تجارة الرقيق تتمركز في الأساس في أوروبا، وبشكل رئيسي كانت الإمبراطورية البيزنطية والعالم الإسلامي المكان المقصود لهذه التجارة. وللأسف حتى يومنا هذا، لا نزال نتاجر بهؤلاء البشر لكن بطريقة مختلفة ونعتبرهم في بعض الأحيان أقل منا شأنًا.

الرق في الجاهلية
الرق في زمن الجاهلية

ولابدّ من ذكر التمييز العنصري في أميركا، بين البيض والسود. إذ وصل أول الأفارقة إلى أميركا بعد أن تمّ خطفهم من أراضيهم، وجعلوا منهم عبيدًا لهم. جرّدوهم من هويتهم، رجالاً ونساء وأطفالاً، وأجبروهم على اعتناق الديانة المسيحية، كما أنهم تعرّضوا للجلد والضرب والتعذيب، وفي بعض الأحيان إلى الشنق تحت نزوات أسيادهم البيض الذين اعتبروا الاستعباد وسيلة أساسية للحفاظ على أملاكهم وأراضيهم. لكن لم يكن جميعهم من العبيد. فالأحرار منهم استقرّوا في الولايات الجنوبية لكنهم عانوا طويلاً من اللامساواة مع البيض الذين شكّلوا الأغلبية المهيمنة في ذاك الوقت، فلم يكن يحق لهم التصويت أو امتلاك الأراضي مثلاً، ناهيك عن الصراعات والخلافات بين العرقين. ولا تزال أميركا تعاني حتى اليوم من التمييز العنصري في بعض القطاعات رغم دستورها الذي يجرم ذلك. فاكتشفت لجنة الممارسات العادلة في أميركا أن السود أو الأفارقة يعانون من اللامساواة فيما يتعلّق ببعض مقابلات التوظيف.

 التمييز العنصري في أميركا
التمييز العنصري بين البيض والسود في أميركا

وتجدر الإشارة إلى أن الاستعباد لا يقتصر فقط على السود أو الأفارقة أو غيرهم، بل يشمل أيضًا الأطفال العاملين. وبحسب خطة العمل الوطنية التي أعدتها اللجنة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال ومنظمة العمل الدولية: (أكثر من 100 ألف طفل يقعون ضحايا عمل الأطفال والاتجار بهم في لبنان.) وقد تفاقم عددهم مع زيادة النزوح السوري والفلسطيني إلى لبنان. وبالتالي قد يسجّل لبنان النسبة الأعلى في العالم لعمالة الأطفال.

وقدّمت منظمة الصحة العالمية تقريرًا يشير إلى أن الأطفال العاملين يعانون من مشاكل عديدة، أبرزها الانطواء والشيخوخة المبكرة والأمراض وفي بعض الأحيان يلجأون إلى الدعارة. وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن الوسيلة الأولى لضمان الوسائل والإمكانيات اللازمة لنموّ الأطفال الجسدي والمعنوي هو التزام الدول باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.

عمل القاصرين

لم يعد استعباد البشر والاتجار بهم مقبولاً في القرن الواحد والعشرين. فالعالم يتقدّم ويسعى إلى تحسين نمط عيشه، أمّا نحن فلا نزال عالقين في زمن الجاهلية نتاجر بالرقيق ونستعبدهم ونعاملهم أسوأ معاملة. ولا نزال نفرّق بين دين ولون وعرق بينما العالم يبحث عن أسلوب عيش يقوم على العدالة والمساواة. ولسنا أفضل من أي شعب آخر، فكلنا نعاني من ظروف معيّنة تدفعنا إلى العمل في الغربة لتأمين لقمة العيش. لذا، لابد من إظهار بعض الاحترام تجاه هؤلاء العمّال لأنهم تركوا أهلهم وأراضيهم للبحث عن مستوى معيشة أفضل في بلادنا، تمامًا كالشباب اللبناني الذي يهاجر إلى البلدان الأجنبية بعد أن فقد أمله في تأمين مستقبل ناجح في بلده الأم باحثًا عن فرص عمل أفضل في الخارج. وبالتالي، بات من الضروري فرض قوانين تحمي العمّال الأجانب من جهة وأصحاب العمل من جهة أخرى لتحقيق المساواة بين الطرفين ولكيلا يقع واحدًا ضحية الآخر.

فانيسا هبر – بيروت

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار