لو كان الفقر رجلاً لقتلته، هذا ما قاله الإمام علي رضي الله عنه، لكنه لم يقل بأن الفقر يصنع رجالاً ونجوماً، ومن القهر ينبت القوّة والعزيمة والصبر والسلوان..

منذ فترة، وأنا متعلّقة بأغاني الامبراطور التركي ابراهيم تاتلس، كلما أستمع الى أغنية أبحث عنها مترجمة كي أفهم معانيها، فالموسيقى التي يعتمدها ابراهيم تاتلس تسيطر على شرايين الأعصاب والدماغ، وكأنها تعطيني أوامر بأن أسمعها وأغمض عيناي فأبكي مرات رغم أنني لا أفهم معنى الكلمات.. لصدق إحساسه وصوته حين يغني القرار والجواب حتى تفاصيل وجهه كلها تترجم الأغنية التركية فأنفعل وأتأثر..

تعلّقت بفن الامبراطور ابراهيم تاتلس وكأنني أعرفه منذ زمن بعيد كما أعرف صوت أسطورتنا في الغناء العربي واللبناني فيروز التي لن يأتي مثلها ولو بعد مئات السنين ففيروزتنا واحدة وابراهيمهم واحد، والقاسم المشترك بينهما بأنهما وصلا بصوتيهما ونوع الموسيقى إلى العالم العربي. الأتراك يستمعون إلى فيروز، وتُرجمت أغانيها الى اللغة التركية، وكذلك يسمع العالم العربي ابراهيم تاتلس وأُخذت ألحان أغنياته في لبنان ولعلّ أكثر النجوم تأثراً بألحان أغنياته هو النجم اللبناني وائل كفوري الذي أخذ لحن (تبكي الطيور وبالغرام) وغيرهما.

هنا يتحدّث ابراهيم تاتلس عن حياته ووالده

بحثت مُطوّلاً عن سيرة حياة ابراهيم تاتلس، بعدما شاهدت عدداً من الحلقات لأطفال يشاركون في برامج مواهب ويصدمون ويبكون عند دخول ابراهيم تاتلس إلى المسرح ويقفون له احتراماً ويتأثرون ويجهشون بالبكاء، وكذلك كل الحاضرين في الاستديو. فهو امبراطور كل الأجيال في تركيا من الجنين الموجود في رحم أمه مروراً بالرضيع والأطفال وصولاً الى المراهقين والشباب وكبار السن. وفي أحد الفيديوهات وبينما فاجأ تاتلس طفلاً على المسرح غنّى معه واعترف الامبراطور بأن صوت الطفل تفوق عليه ولم يستطع الوصول الى طبقته الـ La بينما أعلى طبقة في صوت ابراهيم هي الـ Me كما قال هو رغم شكي في الأمر. لكني أتحدى أي نجم عربي أن يعترف لأي طفل بأنه سبقه بأشواط لا بل قد يقومون بمنتجة الحلقة! (تشاهدون الفيديو أدناه)

دخلت إلى اليوتيوب وبحثت بعمق عن هذا النجم الذي سرق بصوته وبأغانيه احساسي، فوجدته أنه ابن بيئة فقيرة، عاش بظلم كبير سطّرته له الحياة، وعاش مع أخواته السبعة في غرفة واحدة صغيرة لا تتعدى الخمسة أمتار “وفوق بعضهم” عمل في الطريق، وكراعي، وبائع للشاي، وكسائق وجرّب كل الأعمال الشاقة وكاد يموت قهراً لكنه دائما كان مؤمناً بالله.

ابراهيم تاتلس يبكي بسبب الفقر الذي عاشه ويُبكي الجمهور

وفي تصريح له تفاجأت بأن ابراهيم تاتلس من أصول عربية، فوالده عربي لكنه لم يذكر جنسيته، ووالدته كردية تركية

وما جعلني معجبة بهذا النجم التركي الكبير، هو تصريحه الدائم في كل مقابلاته عن حياته الفقيرة فيبكي بتأثر كبير ويمسح دموعه ومن ثم يعود ليشرح لجمهوره عن حياته البائسة وكيف رحل والدهم وتركهم وأجبرته الحياة على العمل باكراً وهو لا يتعدى ال ١١ عاماً ولم يتعلم كي يعيل عائلته ووالدته. ثم يعود ليشكر الله أولاً على ثروة صوته التي اكشتفها واحد من الملحنين الأتراك، وثانياً يشكر جمهوره الكبير على دعمه المستمر له. ويقول تاتلس في إحدى تصريحاته بأن جمال صوته جاء من معاناة الفقر والقهر لذا فإن كل أغانيه تتحدث عن المعاناة والعذاب والفراق.

وأيضاً، فلإبراهيم تاتلس المليونير وصاحب الثروات الكبرى بعد فقر شديد، الكثير من الأعمال الخيرية لصالح بعض الدول العربية وأهمها فلسطين وسوريا ويرسل المساعدات بإسم (الفقير الى الله). وبسبب مساعداته المالية تلك نجا الامبراطور من ٣ محاولات اغتيال آخرها كانت العام ٢٠١١ حيث أصيب بطلق رصاصي من كلشينكوف برأسه وكانت نجاته آنذاك أعجوبة وأصيب بشلل دائم بيده اليسرى وهو بعمر الـ ٥٩.

محاولة اغتيال ابراهيم تاتلس واصابته بطلق برأسه

فكيف لي أن لا أحب هذا الإبراهيم الذي من لا شيء أصبح امبراطوراً وملكاً بالتواضع والمحبة. فالمال لم يغيّره بل ساعده أكثر على مساعدة الفقراء كي لا يعيشوا حياته البائسة!

كيف لي أن لا أتخذه مثالاً رائعاً لأنه علّمني في كل مقابلاته بأن ماضي الانسان هو الذي يصنع مستقبله. فلو لم يكن مؤمناً بالله ولم يسعَ لتحسين وضعه لمَ كان وصل إلى هذه الذروة والقمة من العز والاحترام والشهرة والمال.

سارة العسراوي – بيروت

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار