منذ 6 سنوات هي قادمة من غربة إلى غربة، تلك التي نعيشها في أوطاننا قبل أن نغترب الى بلاد العم سام أو غيرها، ثم تعيش الغربة فينا عدنا أم لم نعد، أنا لا أعترف بالموت يا سحر، الموت هو العدم الذي يعشه القطيع الخانع. الحياة هي لمن يسجل من الكِبر ولو دمعة.
أعرف كم كان دكتور مروان حنا لجوجا حين طلب من سحر أن تدرّس صفوف الثانوي في مدرسته (غرين فيلد كولدج) لأنه يريد النخبة في كل شيء، وسحر لا تستسيغ التدريس، لكنه رجاها أن تحاول بعد أن كان يشاهد حفلاتها، كانت المحاولة التي لم تستمر من حظي، وحينها بهرني شعرها الجميل، تذكرت شعرها عندما زرت العراق أثناء الحصار، مع الصديقة والزميلة نضال الأحمدية. فيما بعد شاهدت النخيل يميل حزينا شجياً، وعندما انخرطت في هذا العالم الصاخب صارت سحر وزوجها سعيد طه من عائلاتي التي أحببت صدقها، هو يملأ البيت كتاباته وأرشيفه وهي تملؤه أعواداً وموسيقى، ظللت أتعلم منها دون أن تشعر، حين كانت تقدم الأغنية العراقية للجمهور اللبناني كانت تقدمها بطريقة تبسيط اللهجة حتى تصل، ذلك لأن ما عاناه العراق سياسيا واقتصاديا حال دون وصول موسيقاه عبر السينما والإذاعة وغيرها للمتلقي العربي، الموسيقى العراقية ذات غنى مختلف لكنها لم تصلنا. سحر كانت تغني وأحيانا تعيد العبارة بعبارة لبنانية أثناء تكرار مقطع ما، مثل أن تقول “خدتش القيمر أرد اتريق بنا، ثم تعود وتقول “خدك القشطة” ولما كانت أقرب إلى التعبير، لا تحبذ كثرة الزخرفة في الغناء فقد قربت الاغنية العراقية لجمهور عاد يتذكر تراثها، فقربتها لي وحفظت الكثير وسألتها مثلا.. ماذا تعني “تجي مالي والي ” فقالت “عشان ما عندي بابا “. الأغنية عادت وانتشرت فيما بعد بأصوات مطربين عرب.
إن ما اسمي بجلجلتها مع مرض السرطان، لم يكن شيئا أمام جلجلة الغربة، مرض الوطن الذي يعيش فينا ونحن فيه أم نحن خارجه، سحر كانت تبكي أثناء الحصار على عراقها، وأذكر أن شقيقها القادم من بغداد كان يروي لنا حال الحصار فبكيت أنا، اعتذرت سحر لأن شقيقها استدرج دموعي لكثرة ما أنها نسمة، لكن كلنا في خضم حصارنا الإنساني لا نزال نصارعه غير تلك العلل التي تسكن اجسادنا فنصارع انفسنا.. سحر من غربة الى غربة، لعل الوطن السلمي الحقيقي في رائحة التراب، احببناك وسنظل نحبك
في الصورة اعلاه سحر تغني على مسرح المركز الثقافي الملكي في الاردن، وقد وجدت بين الحاضرين عازف العود عمر منير بشير فاستدعته للمشاركة، كان ذلك في العام 2000 على ما اذكر.
نداء عودة – فلسطين
)
