تصحّ تسميتها الغائبة الحاضرة، لغيابها عن الأضواء، وتوقفها عن التمثيل والغناء بين حين وآخر، وحضورها في الوقت نفسهُ بفضائحها وصيتها السيء وأخبارها الشخصية التي حبستها في خانة الفضائح، والعلاقات المُحرّمة، والصفقات المشبوهة، وعمليات النصب والإحتيال..

كانت مشروع نجمة كبيرة، خصوصاً ةأنها تتمتع بصوت جميل وشكل حسن وتُجيد التمثيل، لكنها آثرت الطمع، وعقدت معاهدة توأمة مع الشيطان، فتحولت عبدة لغرائزها ورغباتها الجامحة التي لا تتوقف..

بدايتها كانت مع الغناء حيث أدت لكبار المطربات ونجحت، وبالرغم من أن طريق الفن كانت سالكة أمامها حينذاك، إلا أنها لم تتوان عن دخول عالم الحرام، رغم صغر سنها.

في بداية مرحلة البلوغ، حين بانت ملامحها الأنثوية وبدأت أحاسيسها تتأجج، صارت تتواجد في الأفراح والمُناسبات لتغني وتتدلل وتفرح بسماع الإطراء وكلمات الغزل، وكانت تُمعن في غنجها، حتى تجذب الأنظار إليها أكثر فأكثر، وكانت علاقتها الأولى مع زوج قريبة لوالدتها، وتعمل مُدرسة في إحدى الثانويات. كان رجلاً في العقد الرابع من عُمره، التقته صدفة في زفاف إحدى بنات العائلة، وما أن وقع بصره عليها حتى تفاجأ بقامتها الممشوقة وأنوثتها المُفرطة وكيف أن البنت الصغيرة كبرت بسرعة، وأصبحت صبية جذابة، ولاحظت مُلاحقته لها بنظراته، وراحت تفتعل الحركات المُثيرة بأسلوب غير مباشر، وهو بدوره كان يتجاوب معها بالغمز واللمز، إلى أن جمعتهما رقصة الدبكة، وهنا وضعت يدها بيده، وراحت تتحسسّ كفّه بأناملها، وكأنها بذلك تُعطيه موعداً..

وفي اليوم التالي أخبرت والدتها أنها ذاهبة للقاء صديقة لها، والحقيقة أنها قصدت منزل زوج قريبة الأم، حيث كانت زوجته في عملها في المدرسة، وكان هذا اللقاء تذكرة عبورها إلى عالم الرذية والحرام.

أوقعته بشباكها، بل تعمدت ذلك، لأنه كان رجلاً ميسوراً وجذاباً، منحتهُ أعز ما تملك، وهو علمها كل فنون الحب.

أشعرته انه ما يزال شاباً ومرغوباً من الفتيات الصغيرات، وهو بالمقابل لم يبخل عليها بالمال والهدايا والمجوهرات.

إستمرت علاقتهما على هذا النحو حوالي السنتين، إلى أن زهقت وبدأت تتعرف بأشخاص آخرين، بحكم عملها في الغناء بالمطاعم، وأيقنت أن الحياة لا تقتصر على قريبها، بل إن الفن بحد ذاته، بوابة للشهرة والمال والمجد، لاسيما وإنها كانت صغير وجميلة وموهوبة، وبدأت تُقلل من لقاءاتها به شيئاً فشيئاً حتى إلتقت بفنان كبير ومشهور، رشحها يومها للمُشاركة بمسرحية لا زالت تُعرض حتى اليوم على شاشاتنا المُتلفزة، وفي المسرحية غنت ومثلت وصار إسمها يكبر، ودخلت مرحلة جديدة من الفن والخطيئة معاً..

غادرت بلدها وصارت تُمثل بالأفلام والمُسلسلات إلى جانب عملها بالغناء.

تزوجت برجل مُحترم أحبها وأحبته بل أُغرمت به لدرجة انها كانت تُلغي أحياناً حفلاتها لترافقه في رحلاته العملية، لكن حياة العسل بينهما لم تدم أكثر من سنة إذ أخذت أسهمهُ بالتراجع وصارت تمده بالمال اللازم وتشّد من عزمهِ، بل وصارت تُضاعف جهدها في العمل حتى تحافظ على مظهرهما الإجتماعي.

بقيا على هذا الوضع ثلاث سنوات، صعوداً وهبوطاً، ينجح في صفقة ويفشل في أربع، وكانت تتولى تسديد ديونه، حتى إكتشفت خداعه عن طريق أحد الفنانين المُغتربين، الذي التقت به صدفه وأخبرها أن زوجها له زيجات سرية عديدة قبلها، وكان يجني من وراء كل زيجة ثروة طائلة تحت حجة فشل الصفقات، وأخبرها أنها ليست أول ضحية تُصدق ألاعيبهُ وأكاذيبهُ، وأن مشاريعه كلها وهمية!

صُعِقت الفنانة وشعرت أنها مغبونة، وعلى الفور قررت الطلاق، وبالفعل كان لها ما أرادت، لكن نفسيتها تحطمت، وكبريائها جُرح، وكفرت بالحب والإخلاص، وكرهت نفسها لإن الزوج ضحك عليها وأذلها بذكائه ودهائه طوال تلك السنوات الثلاث.

سافرت بعدها إلى آثينا، وأقامت فترة هناك حتى تتحسّن نفسيتها وتسترد بعضاً من معنوياتها الضائعة، وما أن عادت لأستئناف عملها حتى إلتقت صدفة بفنان كبير سحرها برقته ولطفه، انجذبت إليه رغم فارق العُمر بينهما، وما هي إلا أسابيع قليلة، حتى ارتبطا بخطوبة، واتفقا على المُساكنة، ورغم بخله الشديد، غير أنها تحمّلت ذلك، لأن كل نجمات السينما سبق وأُغرمن به، وهي كانت تتباهى به أمام الناس وتستمتع بالليالي الحمراء التي تقضيها معه لكنه بالمُقابل لم يكن يتوقف عن إبتزازها مادياً، وإذا حاولت الإعتراض كان يبتعد عنها لأيام فتتعذب وتعود لتسترضيه بشتى الطُرق.

بقيا على هذه الحال حوالي العامين، إلى أن اكتشفت صدفة أنه يستغل فترة سفرها لإحياء الحفلات، ويُحضر الثريات العربيات الكبيرات في السن إلى شقته، حيث كان يؤدي معهن دور العاشق الولهان ويبتزهن بإسم الحب، وكانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، لاسيما وإنها كانت ضمنياً قد ملّت منه وقررت أن تركز على فنها الذي بات بالنسبة لها مجرد تجارة.

وبالفعل ما أن قطعت علاقتها بالنجم حتى تم ترشيحها لبطولة فيلم سينمائي غنائي، وما أن صورت العمل وعُرض في دور العرض حتى (كسرت الدني) وأصبحت النجمة المُرشحة لمعظم الأفلام والمسلسلات التي أثبتت فيها جدارتها وموهبتها، لكن مثابرتها على الفن لم تستمر طويلاً، فما لبثت أن عادت وإستسلمت لرغباتها، فكان أن تعرفت بشاب أصغر منها سناً وعلى قدر كبير من الوسامة، أُغرِمت به وكان لا يزال طالباً حينها في الجامعة، اتفقا على الزواج مُقابل أن تُساعده في تسديد أقساطه الجامعية بسبب وضعه المادي المُتردي، وافقت وباعت شركة الإنتاج التي كانت أسستها للتو، وتركت كل شيء وأقامت معه في بلدهِ، وصارت تصرف عليه دون حِساب، وتُلبي كل احتياجاته، وهو تمكّن من نِقاط ضعفها، وعرف كيف يلعب على أوتار مشاعرها وأحاسيسها المُتأججة دائماً، وصارت ترفض العروض التي تتلقاها، ونسيت أنها نجمة، ولم يعد بريق الشهرة يعني لها شيئاً، أصبح كل همّها زوجها الشاب الوسيم الممشوق..

انغمست في عالمه وتجاهلت أن الفن يترك من يُهملهُ، ولم تفق من غفوتها إلا بعد تخرُجِهِ
عمل في احدى الشركات المرموقة وصارحها أنها ليست الزوجة المُناسبة له لأسباب عدة، أهمُها السّن والمكانة الإجتماعية! فكان الإنفصال الذي جعلها تُلملم نفسها وتعود إلى الفن لتعمل في أدوار صغيرة، أو كضيفة شرف، وتتسكع على أبواب المُنتجين الذين كانت تتعالى عليهم في السابق.

عاشت في شقة صغيرة بمساعدة شخصية عربية في عالم الأعمال، راح يستخدمها في إتمام صفقاته المشبوهة مع رجال أعمال عرب، وكان يُعطيها نصيبها عقب كل صفقة.

انغمست في العالم الجديد، وعرِفت كيف توهم شخصيات عدة بمشاركتها في مشاريع إنتاجية، فصارت تنصب وتحتال عليهم واحداً تلو الآخر، حتى عادت وإستطاعت الوقوف على قدميها مجدداً، لتمتهن بعدها عملاً جديداً حيث تحولت إلى قوادة لصالح بعض الشخصيات النافذة، وصار تستقطب له البنات الصغيرات من بلدتها، بعد أن تُغريهن وأهاليهن بالمال، مُدعية انها تُريدهن أن يعملن في شركتها في إحدى الدول العربية، ولإقناع ذوي البنات أكثر كانت تُعطيهم مبلغ ثلاث أشهر سلفاً، وتُرتب أوراقهن وتُرسلهن إلى العالم الجديد، وطبعاً بعد كل صفقة من هذا النوع كانت تنال حصة كبيرة من المال من الرؤوس الكبيرة التي تعمل لحسابها الخاص.
مرت السنوات ونسيت انها فنانة، وذات يوم وقفت أمام المرآة وهالها منظرها فقد أصبحت على أبواب الستين.

شاخ صوتها وزاد وزنها بشكل ملحوظ، فقررت أن تُغيّر من شكلها، فلم تفلح عمليات التجميل في إعادة نضارتها ولم ينقص وزنها..

أرادت العمل مجدداً في الفن فتهّرب منها المنتجون والمخرجون، وإذا أراد أحدهم مُساعدتها كان يُرشحها لدور ثانوي تتقاضى منه القليل.

سافرت مرة أخرى إلى اليونان للنقاهة لكن حالتها النفسية زادت سوءاً.

حاولت أن تعيش مُغامرات عاطفية فإكتشفت أن جمالها قد ذُبل.

جربت أن تُكوّن شبكة جديدة من البنات ليعملن لحسابها فوجدت أن الزمن تغيّر وأضحى الكل يتجهلها ويسخر منها.

عادت للنصب والإحتيال وأرادت الإنتقام من كل الناس، وأخذت تُلوث بسمعة الممثلات والنجمات المُغنيات الشهيرات، وكل شخصية لامعة سواء بالفن أو الإعلام.. لكنها أيقنت أن الكل صار يعلم أنها كاذبة ونصابة مُحترفة، فحاولت الإنتحار خصوصاً عندما صارت تُبيع جسدها بأبخس سعر مع أشخاص لم تكن لترضى أن يعملوا خدماً عندها، ومع كل محاولة انتحار كان هناك من يأتي ويُنقِذها.

اليوم تعيش منزوية بعدما أيقنت أن المال والشهوة، هما سبب علتها، وأنها أذت بنات بريئات، ودفعتهن إلى عالم الرذيلة، ومسّت بأعراض الكثيرين فكانت النتيجة أن الكل هجرها وتحولت إلى حطام إمرأة.

ابتسام غنيم

 

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار