ريما الرحباني: هيك أنا ريما عاصي الرحباني بشوف الإرث
ريما الرحباني: هيك أنا ريما عاصي الرحباني بشوف الإرث

في دخول على الويكيبيديا للقراءة عن عاصي الرحباني، حيث كنت أبحث عن تاريخ أغنية السيدة فيروز (سألوني الناس) التي أعرف، أن منصور الرحباني كتبها، والياس الرحباني وزعها، وزياد الرحباني لحنها. وكانت أول أغنية يلحنها زياد في العام 1973 خلال غياب والده عاصي الرحباني للعلاج في فرنسا قبيل انطلاق مسرحية المحطة وفوجئت بكل هذه المعلومات التي تلغي حكاية الأخوين.

في ٢٦ أيلول – سبتمبر ١٩٧٢ أصيب عاصي الرحباني وبشكل مُفاجئٍ بنزيفٍ حادٍّ في الجهة اليسرى من دماغه، ونُقِل فورًا إلى المستشفى التي أشرف فيها فريقٌ من الأطباء المختصين على دراسة حالته، وقال الأطباء أن هذا النزيف عادةً ما تتسبّب به العواملُ الوراثية أو التدخين المُفرط أو العمل دون راحة.

أبلغ الأطباءُ السيّدة فيروز بخطورة وضعه الصحّي وضرورة إجراء جراحة دماغية عاجلة لإنقاذ حياته من الموت، مع الأخذ بعين الإعتبار سوداويّة الاحتمالات التي ربما تنتج عن الجراحة والتي هي: إصابته بالعمى، الشلل، تلف الدماغ .. أو جميعها معًا!

استُدعي خصيصًا من مونبلييه – فرنسا الأستاذ في جامعة الطب، ورئيس قسم جراحة الدماغ والنخاع الشوكي، البروفسور لوغرو، وأجرى له العملية الجراحية، وفوجئ أن الدم المتجمّد بسبب النزيف وصلت سماكته إلى ستة سنتمترات ونصف، كما أن دماغ عاصي كان أكبر حجمًا من أدمغة خمسةٍ وخمسين مريضًا أجرى لهم عمليات مماثلة حول العالم. وصف لوغرو هذه العملية بأنها كانت الأدق والأخطر على الإطلاق بين العمليات التي سبق وأن أجراها، وأن حجم دماغ عاصي هو الذي ساعده على تحمّل وطأة النزيف ومنع بالتالي حصول مضاعفات كانت ستؤدي إلى شلل في سائر أعضائه. استقبل الناس خبر نجاح الجراحة ونجاة عاصي من حالته الصحية الحرجة بفرح كبير، وقُرِعَت الأجراس ورُفِعَت الصلوات بالشكر والسعادة بعد أيامٍ من الترقّب والخوف. وقال البروفسور لوغرو أن مراحل شفاء عاصي ستمتد إلى بضعة شهور!. لكن عاصي كان عصيًّا على المرض، وصنع لنفسه بنفسه معجزةً شفائيّة تعجّب لها الأطباء، فبعد أقل من شهرين خرج من المستشفى يمشي ويردد الكثير من أحاديث الأطباء التي حفظها وهو في الحالة التي من المفترض أنه كان خلالها فاقدًا للوعي.

وفي حادثةٍ أشبه بالمعجزة، وبعد مرور أقلّ من ثلاثة أشهر على أزمته الصحيّة الخطيرة، وبحضور فيروز ومنصور وبعض الأصدقاء، أمسك عاصي بالبزق وانساب منه لحنه الجديد لفيروز “ليالي الشمال الحزينة”، وبدا اللحن حزينًا ونشائديًا، وكان هذا أول لحنٍ يلحّنه عاصي بعد أزمته الصحيّة لمسرحيّة المحطّة التي كان قد كتبها وأنهى جزءً كبيرًا من تلحينها قبل إصابته بالنزيف في دماغه، ليكمل ما بدأه في مسرحيّة المحطّة التي انطلقت عروضها في شباط اللاحق أثناء تواجده في باريس لمتابعة علاجه.

وبعد مرور أقل من أربعة أشهر على حادثة النزيف في دماغه وخضوعه لجراحة قلّما ينجو منها المرضى بصحّة سليمة، كان عاصي قد إستأنف النزول يوميًا إلى مكتبه في شارع بدارو في بيروت، وفي آذار 1973 أي بعد مرور أقل من نصف عام على مرضه، راح يعدّ مفاجأة لفيروز “يا قلبي لا تتعب قلبك”؛ لتفتتح بها مهرجانات بعلبك لذلك العام. تابع عاصي إرشاداته وملاحظاته كلّ ليلة في مكتبه حول “قصيدة حب” وعاد يسيطر ويقبض بيده على كل شيء من الإنتاج حتى الملابس، رأيه في الإخراج، في الرقص، في الضوء، كما كان في السابق، وبقيت موسيقاه محور المهرجان، عدا عن حضوره في كل شاردة وواردة كمؤلّف وملحّن معًا.

رحيله

في أوائل الثمانينيّات أُدخِل عاصي إلى المستشفى لمرّاتٍ عديدة كانت آخرها في العام 1986، حيث دخل في حالة غيبوبة دامت ستّة شهور. تحدّث عاصي في أيامه الأخيرة عن الماورائيات، وخاطب كيانًا أسماه “الكبير” ، وقال له : افتحلي افتحلي، قتلني الصّفير، والبحر مالو صوت، دخيلك افتحلي..الكتابة الشعرية عذاب، التأليف الموسيقي عذاب، الحياة عذاب، الموت هو تاج الحياة”.

رحل عاصي يوم السبت 21 حزيران 1986، في يوم عيد الموسيقى، وفي أول أيام الصيف، وفي عيد الأب ورقد في مثواه الأخير في لبنان، لبنان الذي عرفه “أخضر حلو عَ تلال”، وعشقه حتى صار “حكاية القلب وحنين البال”، ولأجل ذلك، بقي طيلة عمره يُقيم في لبنانه رغم سنوات الحرب الأهلية، لم يغادر ولم يهاجر، وعند سؤاله عن سبب بقائه في لبنان أجاب : “كتبتُ عن التعلّق بالأرض والتشبّث بها كيف سأذهب! جوّات نفسي عندي شعور إنّي بكون محمي أكتر لو بقيت بوطني وبضيعتي إنطلياس”.

في نفس التاريخ من كلّ عام تمتلئ الصفحات المطبوعة والإلكترونية بالمقالات والقصص والرسائل التي تستذكر عاصي، ويحتفل جمهور السيّدة فيروز سنويًا في “يوم عاصي”، ويستذكرونه بمقولته: “وأعرف أنّي باقٍ ككوكب بعيد يلمع في الصّبح.. كدخانٍ يصعد.. يصعد”.

أوسمة

  1. وسام الإستحقاق اللبناني المُذهّب من بعد مهرجانات بعلبك 1957.
  2. جائزة الشاعر سعيد عقل، خريف 1966 عن مسرحية أيام فخر الدين.
  3. وسام الإستحقاق السوري من الدرجة الأولى أيلول 1968 من بعد تقديم مسرحيّة الشخص.
  4. وسام الأرز اللبناني من رتبة ضابط أكبر، في منزله بالرابية، كانون الأول 1985.

إستعادات/أعمال تكريميّة جديرة

  1. إسطوانة (إلى عاصي) عام 1995: إعادة توزيع موسيقي وغنائي لزياد الرحباني وغناء فيروز. في كُتيّب الأسطوانة آراء موسيقيّة خاصة لعاصي، يوصي بها.
  2. فيلم وثائقي (كانت حكاية) عام 2009: تحدّثت فيه فيروز عن عاصي في ذكراه الثالثة والعشرين، مع مقتطفات من حوارات أرشيفية لعاصي، فبدا الفيلم وكأنه حوارٌ يجري بينهما. تصوير وإخراج ريما رحباني.
  3. يوم عاصي 21 حزيران 2015 (كانت حكاية ورح تبقى..) في مسرح البلاتيا – ساحل علما,لبنان : في الذكرى التاسعة والعشرين لرحيل عاصي الرحباني، حضر عدد كبير من الفيروزيين الذين توافدوا من مختلف أرجاء العالم لمشاركة ريما الرحباني في “يوم عاصي”، حيث أُقيمَ معرض على شكل مغارةٍ من الذكريات أو ممر زمني في حياة عاصي الفنّية، يتضمن محطاتٍ مضيئة وبارزة في مسيرته، جسّدتها سمعيًا وبصريًا المواد الأرشيفية المعروضة على جدران الممر الذي ينتهي بصالةِ عرض تابع فيها الحضور فيلم (كانت حكاية) كما وعُرِضَت وللمرّة الأولى مقتطفاتٌ من حفلة لندن، مسرح البلاديوم 1978، من تصوير ليال الرّحباني، و وُزِّعَ في هذه الاحتفالية كُتيبٌ خاص جَمعَ بعض مقولات عاصي وآرائه وفلسفته الفنيّة والجمالية.
Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار