خلال السنوات الماضية، عملت المفكرة القانونية على إنجاز اقتراح قانون حول استقلال القضاء العدلي وشفافيته، وذلك بهدف تحصين استقلال القضاء وتطوير آليات عمل الهيئات الناظمة له، صونا لحقوق المتقاضين بقضاء عادل وفاعل ومستقلّ.

ولهذه الغاية، تمّ تقسيم تنظيم القضاء العدلي إلى 18 محورا، تم العمل على مناقشتها كلا على حدة وذلك طوال سنة 2017. وقد نشرت المفكرة في منتهى أبحاثها حول كل محور ورقة بحثية عنه، تضمّنت رسما للوضع الحالي المتصل به قانونا وممارسة والإشكاليات التي تم توثيقها بشأنه، فضلا عن مقترحات قانونية في هذا الخصوص مع أسبابها الموجبة. كما تضمنت كل ورقة إشارة إلى أهم التطورات الأوروبية والإقليمية الناجحة في خصوص موضوعها. وقد وزعت الأوراق البحثية على 300 إلى 500 شخصا أغلبهم من أصحاب الاختصاص (قضاة، نواب، وزارة العدل، نقابتي المحامين، محامين، أساتذة جامعيين) طلبا لآرائهم. كما وُضعت عنها نسخ إلكترونية على موقع المفكرة، تسمح لأي مواطن أو قارئ بإبداء رأيه بخصوصها.

وفي نهاية العمل على المحاور المختلفة، تمّ جمع المقترحات المختلفة لتؤلف النص الكامل للاقتراح والذي تمت مناقشته في جلسة خاصة في مكتبة المجلس النيابي بتاريخ 10/7/2018 بحضور 18 نائبا. وقد وقّع عددٌ من النواب بصفتهم الشخصية أو كممثلين عن كتل نيابية على الاقتراح، تمهيدا لمناقشته في لجنة الإدارة والعدل.

تضع “المفكرة” الاقتراح مع أسبابه الموجبة بتصرف قرائها داعيةً إياهم إلى إبداء آرائهم بشأنه.

من أبرز المقترحات الواردة في اقتراح القانون، الآتية:

أولا: تعزيز استقلالية المؤسسات القضائية وشفافيتها الداخلية والخارجية:

تضمن الاقتراح بنودا عدة لتعزيز استقلالية المؤسسات القضائية الثلاث: مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي ومعهد الدروس القضائية. كما تضمن أحكاما ضامنة لشفافية هذه المؤسسات.

بخصوص تركيبة مجلس القضاء الأعلى: حاليا، 8 من 10 من أعضائه تعينهم السلطة التنفيذية وكلهم قضاة. وفق الاقتراح، يتكون المجلس من 20 عضوا: 4 من القضاة بحكم مناصبهم، 9 منتخبون من القضاة (3 من كل درجة)، 3 قضاة يعينهم الحكميون والمنتخبون لغايات التوازن، أربعة أعضاء من غير القضاة (محامييْن وأستاذيْن جامعيين متفرغين) منتخبين من الهيئات المهنية التي يمثلونها. يكون لمجلس القضاء الأعلى موازنة مستقلة. كما تم تعزيز صلاحيات مجلس القضاء الأعلى وبخاصة في مجال التشكيلات والمناقلات القضائية. باتت التشكيلات والمناقلات تتم بناء على معايير موضوعية وأصول ترشيح ومع مراعاة مبدأ عدم نقل القاضي من دون رضاه من دون حاجة إلى إصدار مرسوم.

ثانيا: تعزيز ضمانات استقلالية القاضي:

إلى جانب تعزيز استقلالية المؤسسات الناظمة للقضاء، خصص النص المقترح القضاة بضمانات وحقوق ملازمة لأشخاصهم بهدف تمكينهم من جبه التدخلات من خارج القضاء كما من داخله. ومن أبرزها، إحاطة آليات تعيين القضاة بضمانات حصولها على أساس الكفاءة من دون تمييز، تكريس مبدأ عدم نقل القاضي إلا برضاه ومبدأ المساواة بين القضاة (منع الممارسات التمييزية كالندب للعمل في الإدارات والتعيين في لجان لقاء أجر) وتمكينه من المشاركة في إدارة شؤون المحكمة التي يعمل بها من خلال إنشاء جمعيات عمومية للمحاكم، والاعتراف بحريات التعبير والتجمع وتقديم طلبات جماعية، وتمكين القاضي من الطعن بأي قرار فردي متصل بمساره المهني. ومن هذه الضمانات أيضا، إنشاء ملف لكل قاض يوفر معطيات موضوعية حول أدائه ومدى تطوره الشخصي مع إعطائه الحق الكامل بالاطلاع عليه وإبداء ملاحظاته. ومنها أيضا إحاطة أعمال التقييم والمحاسبة بضمانات تحول دون التعسف في استخدامها.

ثالثا: تعزيز الطاقات القضائية وحفظها وحسن توزيعها:

تضمن المقترح توجهات عدة في هذا المجال. من أبرزها، فرض تنظيم مباراة سنوية للدخول إلى معهد الدروس القضائية، وذلك على أمل التوصل إلى ملء الشغور في ملاك القضاء، خلال فترة زمنية معقولة، مع فتح إمكانية الاستفادة من الخبرات طويلة الأمد من بين المحامين وأساتذة الجامعة ضمن ضوابط عدة. ومنها أيضا تنظيم دورات تأهيل مستمر للقضاة والمساعدين القضائيين. ومنها أيضا اشتراط  الترخيص للقضاة بالقيام بأي عمل مهني آخر أو تكليفهم بأي وظيفة قضائية أو غير قضائية أخرى بحصولهم على تقييم إيجابي لأدائهم، وذلك منعا لهدر الطاقات القضائية، وتكريس مبدأ الإنماء المتوازن في توزيع القضاة بين مختلف المناطق.

رابعا: ضمان حقوق المتقاضين في حسن أداء المرفق العام وتقديم شكاوى ومحاسبة المخالفات القضائية: 

في خصوص تعزيز أداء القضاة وآليات المحاسبة، نظم الاقتراح آليات تقييم القضاة. كما  عزز دور هيئة الإشراف (التفتيش) القضائي في مجال تلقي الشكاوى ومعالجتها، وبخاصة من خلال إنشاء ديوان لاستقبال المواطنين ومساعدتهم. ووضع نصوصا ضمانا للشفافية.  ومن أبرز الأحكام في هذا المجال، تحديد الأخطاء التأديبية بشكل تفصيلي والتنصيص على عقوبات تأديبية متناسبة مع خطورة المخالفات. المرتكبة.

خامسا: التوفيق بين التنظيم الهرمي للنيابة العامة واستقلالية القضاة العاملين فيها:

تضمن النص المقترح أحكاما للتوفيق بين التنظيم الهرمي للنيابة العامة. فعلى صعيد التعليمات العامة (السياسة الجزائية)، تم استحداث هيئة مشتركة مكونة تضم إلى النائب العام التمييزي النواب العامين الاستئنافيين لوضعها. وتكون التعليمات الخاصة قانونية وخطية ومعللة وأن توجه إلى عضو النيابة العامة المعني من خلال رئيسه التسلسلي ضمانا لقانونيتها وأن تودع صورة عنها في ملف القضية المتصلة بها.

                                                 مارون شاكر – بيروت