الشعب الذي انتفض على سلطة الفساد في لبنان، استطاع أن ينضوي تحت شعار وطني جامع للأهداف والرؤية السياسية المدنية، بتحالف وطني ضخم نتج عنه ٦٦ مرشحاً من مختلف المناطق والطوائف، وللمرّة الأولى في تاريخ لبنان، نرى تجمعاً وطنياً شعبياً، بعيداً عن الأحزاب التقليدية أو التبعية للزعيم.

استطاع ناشطو الحراك والمجتمع المدني، خوض الإنتخابات النيابية في ظل قانون أرعن، يطوي في طياته العديد من الثغرات والأخطاء الجسيمة وخاصة المادة ٥٨ من هذا القانون، والتي شرّعت الفساد والرشوة (المادة 58: في النفقات الإنتخابية).

تعتبر نفقات انتخابية بمفهوم هذا القانون وهي مجموع النفقات المدفوعة من قبل اللائحة، أو المرشح، وكذلك النفقات المدفوعة لحساب أو مصلحة أي منهما برضاهما الصريح أو الضمني، من قبل الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين أو الأحزاب أو الجمعيات أو أي جهة أخرى، شرط أن تتعلق مباشرة بالحملة الإنتخابية وبعملية الإقتراع وبتحقيق الإتصال المشروع بين اللائحة أو المرشح، والناخب ومنها على سبيل البيان لا الحصر:

الناشط اللبناني والزميل فراس أبو حاطوم
  • تأمين المكاتب الإنتخابية وسائر نفقات هذه المكاتب.
  • إقامة التجمعات والمهرجانات والإجتماعات العامة والمآدب ذات الغاية الإنتخابية، النفقات المتعلقة بالتجهيزات المستعملة خلال الحملة.
  • إعداد ونشر وتوزيع المواد الإعلامية والدعائية من كتب وكراريس ونشرات ومناشير ورسائل على شكل مطبوعات أو عبر وسائل البريد العادي او الرقمي.
  • اعداد وتوزيع الصور والملصقات واليافطات واللوحات الإعلانية وتعليقها.
  • التعويضات والمخصصات المدفوعة نقداً أو عينًا للأشخاص العاملين في الحملة الإنتخابية وللمندوبين.
  • مصاريف نقل وانتقال عناصر الحملة الإنتخابية والناخبين.
  • مصاريف انتقال الناخبين من الخارج.
  • نفقات الدعاية الإنتخابية ونفقات استطلاعات الرأي واي نفقات تدفع في سبيل الحملة الانتخابية إلى أي محطة بث اذاعية أو تلفزيونية أو اية صحيفة أو مجلة أو وسيلة نشر أخرى بما فيها الإلكترونية.
العلم اللبناني كان العلم الوحيد الذي رفع في الإعتصام
العلم اللبناني كان العلم الوحيد الذي رفع في اعتصام تحرك المجتمع المدني إلى أمام وزارة الداخلية وكان العدد يقارب الألف مواطن بعد دعوة لم تتجاوز الساعتين

وفي هذه الإنتخابات، خاض التحالف الوطني، معركة مصيرية مع السلطة الفاسدة، هي معركة غير متكافئة أبداً، حيث الزعامات السياسية تسيطر على الإعلام بكل وسائله وتكلفة الدعاية الإعلامية باهظة جداً وغير منطقية، لا بل تعتبر غير قانونية. كذلك تعمدت لوائح الزعماء الطائفيين لبث الشقاق والنزاع، لشد العصب الطائفي مما خلق أجواء توتر واحتقان، نتج عنها حوادث عديدة في الكثير من المناطق.

كذلك ممارسات الزعماء وبلطجيتهم على مرشحي هذا التحالف، حيث تعرضوا للضرب وتحطيم للسيارات ولعدة مرات، وترهيب ناشطي الماكينات الإنتخابية وتهديدهم، كما عمدوا للتضييق معيشياً على كل من هو مستقل عن الزعامات والأحزاب، فقاموا بطرد الناس من وظائفهم، ومنهم من تم احتجاز رواتبهم وهناك من تم إنذاره بالطرد حتى تعهده بالتصويت للائحة الزعيم.

ممارسات إقطاعية بلطجية، تخطت الحدود، وكل ذلك لم يمنع الناس من منح هؤلاء المدنيين (الحراكيين) أصواتهم، فالأرقام التي حصلوا عليها قاربت الحاصل الإنتخابي في أغلبية الدوائر، وتزامن إعلان نتائج اللوائح مع صراخ آلاف الناس معبرين عن رفضهم لعمليات التزوير التي رصدها الناخبون والمراقبون وتناقلتها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث سجلت وزارة الداخلية قرابة السبعة آلاف شكوى ومخالفة وهذا رقم مرتفع جداً ومخيف.

وفِي أي دولة تحترم الناس يتم إسقاط كل العملية الإنتخابية ويتم إعادتها لعدم جدواها ولعدم شرعيتها. خصوصاً وأن أغلبية الشكاوى كانت موثقة، إلا أن الوزارة تعمدت تجاهل الشكاوى، وخرج وزير الداخلية ليتكلم عن بعض المخالفات، وأنهم استطاعوا معالجتها، بينما الشارع يغلي على وقع تزوير نتائج المرشحة في بيروت جومانة حداد التي نالت الحاصل الإنتخابي وأُعلن فوزها، وفِي اليوم التالي تم إعلان سقوطها.

أستطيع القول أن مبدأ النوعية أهم من الكمية والنوعية هي التي تشكل الإنتصار الحقيقي، فعدد المئة وخمسين ألف مواطن صوتوا للمجتمع المدني يعتبر رائعاً جداً في ظل امتعاض وقرف أكثر من ٥٠ بالمئة من الناخبين الذين لم يصوتوا أصلاً. فنسبة التصويت في لبنان كله لم تتخطَ الـ 49.1 بالمئة، وهذا يعطينا نتيجة أساسية أن أغلبية الشعب اللبناني يرفض الواقع السياسي المدمر للوطن. وإن الشعب اللبناني سئم الطبقة السياسية، والقانون الهجين، الذي وضعوه على قياسهم، وهذا الرقم إنما هو رسالة للمجتمع المدني بأن يتوحد في خطاب ورؤية سياسية واضحة وجامعة ليتمكن الناس من اتباعهم.

وأتمنى أن تكون المرحلة المقبلة هي مرحلة الإستمرار في المواجهة والجلوس على طاولة واحدة للخروج إلى الناس كمجتمع مدني موحد ولديه مشروع سياسي ورؤية سياسية يجمع عليها اللبنانيين.

فراس بو حاطوم – بيروت

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار