• الموضة متنفّسً ليتخلّص المرء من الملل والسأم
  • من الصعب إيجاد ميدان من ميادين الحياة لا يخضع لمتغيّرات الموضة..
  • أولى الفراعنة الجمال والأناقة اهتماماً كبيراً ودفنوا معهم مجوهراتهم..
  • إهتمّ الرومان بالأناقة بشكل عام وبالتيجان بشكل خاصّ
  • في عهد الملك لويس الرابع عشر ظهرت بوادر ما يُعرَف بالموضة
دكتورة علم النفس الدكتورة بولا حريقة
دكتورة علم النفس الدكتورة بولا حريقة

* ما هي الموضة دكتورة بولا حريقة؟

– الموضة هي كل جديد، هي الجديد الذي يفرض نفسه إذا تقبّله المجتمع، فينتشر بسرعة ليصبح سلوكاً اجتماعياً يزول بعد ظهور موضة أخرى.. لذا من الصعب إيجاد ميدان من ميادين الحياة لا يخضع لمتغيّرات الموضة.

*إلى أي مدى يُعتبر تبدّل وتطوّر الأزياء مسألة مرتبطة بتطور العصر؟

– إلى حدّ كبير.. لأنّ الموضة تعكس واقع المجتمع والقوانين المفروضة فيه، وقيمه وتحوّلاته الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وهي تتبدّل وتتجدّد باستمرار لمواكبة التغيّرات الحاصلة في كلّ عصر، كطبيعة الحياة وإيقاعها، والنشاطات المختلفة، وتنوّع ميادين العمل ومتطلّباته، وثقافة كلّ مجتمع بما تتضمّن من قيم ومفاهيم.. وهذا يعني أنّ الموضة كانت وما زالت انعكاسًا لمتغيّرات حضاريّة واجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وثقافيّة، ورمزًا من الرموز الدالّة على الجمال والذوق الفرديّ، وإشارة إلى قبول الإنسان لجسده أو رفضه، لذا تحوّلت إلى تيّار فلسفيّ ونفسيّ.

الموضة متنفّسً ليتخلّص المرء من الملل والسأم
الموضة متنفّسً ليتخلّص المرء من الملل والسأم

* ما أسباب التعلّق بالموضة؟

– له أسباب تاريخيّة اجتماعيّة ونفسيّة تعود إلى أنّ الموضة، بما تتضمّن من ملابس ومجوهرات وحليّ وأحذية وقبّعات وحقائب وتسريحات إلخ، كانت حكراً على الأغنياء من الطبقات الحاكمة وحاشيات الملوك كدلالة على الثراء والمركز والقوّة والسلطة، وذلك منذ عهد الفراعنة، الذين أولوا الجمال والأناقة بكلّ تفاصيلها اهتمامًا كبيراً إلى درجة أنّهم كانوا يدفنون معهم مجوهراتهم، والرومان الذين اهتمّوا بالأناقة بشكل عام وبالتيجان بشكل خاصّ، إلى عهد الملك لويس الرابع عشر حيث ظهرت بوادر ما أصبح يُعرف اليوم بالموضة، وصولاً إلى بداية القرن العشرين حيث أصبح اتّباع الموضة مسموحاً من قبل العامّة أي الشعب،الذي أبدى تعلّقًا كبيراً بها، كتعبير عن ارتقاء وهميّ إلى مصاف الحكّام بعد حصوله على امتيازات كانت حكراً عليهم، إلى أن أصبح نوع التعلّق اليوم ذا دلالات استهلاكيّة ونفسية..

* كيف؟

– الموضة السائدة عالمياً غربية المنشأ ما يعني أنّها نموذج من نماذج التطوّر الغربيّ، المعروف بسيطرته على الأسواق الاستهلاكيّة العالميّة، الأمر الذي يجعل الشعوب الأخرى تتطلّع إلى مجاراة هذا التطوّر من خلال قبولها لما يُصدَّر لها كنوع من التعويض عن النقص إزاء هذا التطوّر، وكإشباع لرغبتها في محاكاة الغرب. وهذا ما يفسّر التهافت على الماركات العالميّة ذي الأسعار المرتفعة رغم وجود صناعات محليّة بكلفة أقل. وكما تتقبّل المجتمعات التكنولوجيا والتطوّر العلميّ والحداثة الفنيّة وغير ذلك، فمن الطبيعيّ أيضًا أن تتقبّل الموضة وتتحوّل إلى أهمّ الأسواق استهلاكيّة للمنتجات الغربيّة.

الموضة انعكاسٌ للجمال والذوق الفرديّ
الموضة انعكاسٌ للجمال والذوق الفرديّ

* ما تفسير كون غالبيّة مصمّمي الأزياء من الرجال؟

– هذا يعني أنّ الرجل الذي يفهم سيكولوجيّة الرجل يفهم سيكولوجيّة المرأة أيضًا فيُسقِط من خلال التصاميم التي يبتكرها أحلامه وهواماته عن امرأة رائعة الجمال، أو يقولبها في الشكل الذي يريد أن يراها فيه. وهي، عندما ترتدي تصاميمه تكون تمنح الرجل ما يصبو إليه، وتحقّق لذاتها رضى نفسيًّا بأنّها محطّ إعجاب ، لذلك فهذه العلاقة بين المرأة والموضة هي تجسيد لطبيعة العلاقة بين المرأة والرجل القائمة على التجاذب ولفت الانتباه، مع الإشارة إلى أنّ المرأة أبلغ من الرجل في إيصال رسائل غير كلاميّة من خلال ملابسها وأناقتها ومظهرها.

* أحياناً نجد امرأة تتبع الموضة مع أنّها لا تليق بها، لماذا؟

بما أنّ الموضة ليست تصميماً واحداً صادراً عن مختلف دور الأزياء، وباستطاعة المرأة اختيار ما يناسبها ويبرز مواطن الجمال فيها، فمن الطبيعيّ ردّ أسباب اتّباع الموضة غير المتجانسة إمّا إلى الرغبة في التحرّر من التقاليد، أو شعورها بالسأم فتعمد إلى التغيير كنوع من تجربة جديدة، أو محاولة إثبات الذات، أو لتؤكّد على انسجامها مع جسدها وإن كان مليئًا بالعيوب والشوائب، وذلك بهدف تحويل الأنظار إلى فكرها أو نضجها أو جماليّة روحها، أو لمجرّد التعبير عن حداثتها ومجاراتها للموضة.

نيكولا جبران من أهم مصممي الأزياء في العام
نيكولا جبران من أهم مصممي الأزياء في العام

* ما هي علاقة الملابس بتطوّر شخصيّة الفرد؟

– يرى علم النفس أنّ الملابس تساهم بشكل كبير في تطوّر الشخصيّة بشكل إيجابيّ لكونها شديدة الصلة بالإنسان وتؤثّر إلى حدّ كبير في نفسيّته، لأنّها تزيده ثقة بنفسه وترضي غروره ورغبته في الانتماء إلى غير طبقته الاجتماعيّة، كذلك يُعتبر الشكل الخارجيّ أفضل معبّر عن شخصيّة الفرد، وهذا ما يرمي إليه المثل القائل «قل لي ماذا ترتدي أقل لك من أنت» وفي هذا إشارة ليس فقط إلى اتّباع الموضة الموسميّة بل إلى الذوق الفرديّ في اختيار الملابس التي تتناسب وشخصيّة الفرد وشكل جسمه، بحيث يستطيع إبراز مكامن الجمال فيه وإخفاء بعض العيوب ، وبما أنّ الفرد مفطور على التجدّد والتغيير أصبحت الموضة متنفّسًا ليتخلّص من الملل والسأم ما يساهم، بشكل أو بآخر، بإحداث بعض التوازن النفسيّ.

* أحياناً نجد سيّدات لا يهمّهن اللحاق بالموضة فهل هذا تحدٍّ لما هو سائد أم لمَن يتبعن الموضة عشوائياً؟

– من وجهة نظر علم النفس هناك علاقة كبيرة بين شخصيّة المرأة وصورتها لجسدها، وحالتها النفسيّة تتبلور من خلال الملابس التي ترتديها وألوانها، لذا لا يمكن التعميم في الإجابة لأنّ لكلّ حالة أسبابها ودوافعها، إنّما يمكن القول أنّ المرأة التي لا يهمّها اللحاق بالموضة ليست في مجال تحدّي متّبعات الموضة عشوائياً، لأنّها تكون قد تحدّت أصلاً الموضة بحدّ ذاتها ومصمّميها. وهي بما ترتدي تحاول تحدّي العشوائيّة في الاقتباس والتقليد، أي أنّها لا ترفض السائد بحدّ ذاته بل ترفض الرضوخ الذي تبديه المرأة للموضة واستغلالها من قبل الفكر الاستهلاكيّ الصناعيّ، ورفض مقولة أنّ الموضة باتت إجباريّة وليست اختياريّة، قناعة منها بأنّ التقيّد بصيحات الموضة ليس شرطًا من شروط الانتماء إلى عصر الحداثة أو التمدّن، بل لتقول أنّ الإنسان يصنع ذاته وليست الملابس هي التي تصنعه.

من الصعب إيجاد ميدان من ميادين الحياة لا يخضع لمتغيّرات الموضة
من الصعب إيجاد ميدان من ميادين الحياة لا يخضع لمتغيّرات الموضة

* لماذا إقبال الشباب بشكل خاصّ على التقليعات والصرعات؟

– لهذا الإقبال تفسيرات متعدّدة منها تقليد المشاهير لحاجتهم إلى نموذج يحاكونه، ما يعكس صراعهم مع ذواتهم ومع محيطهم؛ أو معاناتهم الإحباط الذي يدفعهم للخروج من شرنقته بالانشغال بالمظهر الحارجيّ واعتماد النافر والخارج عن المألوف لنسيان مرارة الواقع، أو رغبتهم في التميّز لافتقادهم إلى مجالات لتحقيق هذه الرغبات؛ أو التمرّد على التقاليد والقيم السائدة لإثبات الذات فيكون الإقبال على الصرعات والتقليعات وجهًا من أوجه هذا التمرّد.

* متى تصبح الموضة نافرة وغير طبيعيّة؟

– عندما يتمّ اعتمادها بشكل أعمى من قبل مجتمع تختلف ثقافته عن ثقافة المجتمع الذي صدّرها دون الأخذ بالاعتبار الاختلافات الثقافيّة والأذواق العامّة، وعندما تصبح بطاقة تعريف تؤكّد على حداثة الفرد ومواكبته لركب الحضارة رغم تناقضها وهويّته النفسيّة، وعدم ملاءمتها لتكوينه الجسدي، بمعنى أن تصبح قيمة الفرد مرتبطة بمظهره الخارجيّ أكثر منها بجوهره.

نضال الأحمدية – Nidal Al Ahmadieh

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار