The Voice قدم لنا مواهبَ عاديّة، ولم نعثر على موهبة خارقة، أو شخصية استثنائية بين الهواة، الأمر المختلف في The Voice العالمي في بلاده الأم، أو في أي بلد آخر، وهذا ليس مهماً، لأنّ البطولة في النسخة العربية ليست للصوت، أو لـ (أحلى صوت)، بل للبرنامج بكل تفاصيله.

ذكاء خارق، تميّز به منفذو البرنامج، والمشرفون عليه، أقصد قائد كل العمليات الأستاذ علي جابر، وشركة Sony Pictures، فيعودُ إلى اختيار النجوم الأربعة، الذين يمثِّلون أربع ثقافات، وأربع حكايات، والكثير من المفاجآت.

كلٌّ من النجوم، لم نره مرة، وفي أي إطلالة، كما رأيناه في هذا البرنامج، الذي جمع كل البرامج في برنامج واحد.

فيه لعبْ، وجدْ، و Talk Show، ومنوعات، وغناء.

هو على الشاشة، غير عاصي الحلاني الذي أعرفه، ربما لأنّه يلتزم بجو البرنامج، وبجو الأسئلة والمحاور الذي يطلّ معه.

ودخول عاصي مثل هذه اللعبة، توقعت فيها كثيراً من المخاطر عليه، كأن يطلَّ جدياً، أو يشرح فيما يملك من ثقافة موسيقية وإلى آخره.

لكنّ المفاجأة كانت، في قدرة البرنامج، على تخريج النفسيّة الحقيقية من كل نجم، وأوّلهم عاصي، العصيّ عن فتح قلبه وذراعيه، لأنّه ببساطة، بعلبكي «جقر»، ولا يشعر بالراحة، إلا في دارهِ وديرته.

عاصي الحكاية الأولى.. لأنّه الأقرب إليّ، لكنه يشكِّل مع كاظم، وشيرين، ثلاثياً آتياً من نفس المناخات الأليمة وأهمها الفقر المدقع.

صابر، لا أعرف عن طفولتِه شيئاً، بل عن حياته ما قبل السنتين الماضيتين، وقد تحوَّل من شخصية منقبضة شبه منطوية، إلى صابر «المهضوم»، المحبّ المنطلق، المبتسم والـ Cool.

البعض أخبرني أنّ والد صابر، كان مدير مدرسة في تونس، ما يعني أنّه ينتسب إلى الطبقة الوسطى، التي ما عادت موجودة، منذ منتصف الـ 2000، في المنطقة العربية عموماً.

شيرين وكاظم وعاصي، عاشوا طفولة مهدَدة، أي أنّ كلاً منهم، كان يمكن أن يخرج من ظلم الفقر، إلى كل أنواع الإنحراف.

راقبت الثلاثة بتأنٍّ، واستعنت بأصدقاء لي، من المتخصِّصين في علوم النفس، وعلوم لغة الجسد، وخرجنا بالتالي:

شيرين الطيّبة لن تنتقم!

شيرين تحاول الإنتصار على ذاكرتها، وعلى نشأتها التي عانت فيها الأمرّين. تحاول أن تُحدِث تحولاً كاملاً في شخصيتها، فبدأت تتحرَّر من الضيم، وتحاول التخلُّص من الميل للوم الحياة، و«النق». لتبدأ باستقبال عهد جديد، تُبرز فيه شخصية متمكنة، قادرة.

لكن شيرين، لم تتمكن بعد من الاستهزاء من الماضي، لأنّ الحاضر ربما لا يعينها، وربما لأنّها لم تستقر بعد، ولم تشعر بالأمان. لكنّها وحين تصل لهذه المرحلة، فستكون من أجمل السيدات، بل ستُصبح مثالاً أعلى للصبايا، لأنّ الطيبة التي في طبعها، لن تأخذها باتجاه ردة فعل انتقامية، كما كانت عليهِ قبل سنوات ولا تزال تعبر عنه في مطارح قليلة.

تبدو شيرين، طفلة في حركاتها، حين تقف على الكرسي، وهذا ما لم تفعله فنانة عربية من قبل، ولن تفعله لأنّ معظمهنّ لابسات للأقنعة. فقط الأجنبية المتحرِّرة من عُقدها، تفعل ما تفعله شيرين، خصوصاً حين تخاف مُشفقة على المتبارين فتقول: «أنا عاوزة سيب البرنامج».

وأن تقف شيرين على الكرسي، فهذه مخاطرة تعرِّضها للنقد من الفرات إلى النيل، لكن وبدل الإنتقاد، سمعنا تصفيقاً وابتهاجاً لها، وهذه إشارة إلى أنّ المجتمع العربي يحتضن شيرين ومثيلاتها من الصادقات، ويعتبرها ابنته المدلّلة، ليس لأنّها صاحبة الصوت، بل لأنّها شيرين كلّها على بعضها.

ورأيناها تبكي على الشاشة، لفراق أحد الهواة، وهذا ما وقع فيه عاصي، الذي بكى في إحدى الحلقات، وعاجلت الكاميرا للإبتعاد عنه، حين انحنى يخبّئ وجهه.
متى رأينا نجماً أو نجمةً بحجم عاصي وشيرين يبكيان لأجل فشل هاوٍ؟

أذكر أن أحلام في Arab idol، نهرت الهاوي السعودي، فأبكته حين خرج لأنّها قالت له، آمرة، متكبّرة، بل متعجرفة «إنت مشتاق للسعودية روح بلدك»، أي أخرج من البرنامج، أحلام تفعل ذلك لأنها تعاني من عقدة نقص تدفع بها للتعالي عبر الأوامر كي ترضي نفسها.

كاظم رصين، خارج الإيقاع.. لأنهُ بدون وطن!

أما كاظم الساهر، فهل انتصر على ذاكرته، أم صارت جزءاً من شخصيته، وأصبحا متلازمين، متفقين، متحابين؟

كاظم يبدو في إطلالاته رصيناً، خارج الإيقاع العام، لكن هو لا يدّعي ذلك، ولا يريد أن لا يرقص ويهلِّل، ويصفِّق، وهو لا يريد أن لا يدخل اللعبة، أو الملعب، ويصير جزءاً منها، لكنّه لا يعرف شيئاً عن البهجة، هو إبن عراق، تشرَّد منها ولا يزال.

كاظم لا يملك إلا أوطاناً مفترضة، لذا لم يتعلَّم الضحك من قلبه. لا أقول أنه مأساوي، ولا كربلائيٌ، لكنّه لا يملك ثقافة الفرح، وربما يستهجن الفرح، أو يخاف منه، لأنّ الفرح غريب عنه، وكلنا نخاف الغريب. كاظم عانى الويلات، من ظلم في قلب الوطن، وظلمات في خارجهِ.

إذاً كاظم يحتاج لأن ينتصر على الحياة فيلاعبها بدل أن تلعب فيه.

كيف صارَ صابر Cool؟

صابر الرباعي فاجأني لأنه تحرّر بين ليلة وضحاها، هو لم يكن كذلك، كان يعاني من فقر في فنّ التواصل. كان يصافح رفيقاته، من بعيد، واليوم يُعانق الشباب والصبايا وأمام الكاميرات. هل كان صابر سيكون كما نشاهده الآن، لو أنّه اشترك في هذا البرنامج قبل سنتين؟

طبعاً لا..

البعض يعتب عليه لأنّه يستخدم عبارات أجنبية خلال عرض رأيه الموسيقيّ، لكنّ صابر إبن تونس، التي تتقن الفرنسية، قبل العربية. وعلينا أن ندرك، أنّ كل المفردات الموسيقية، يعرفها أهل المغرب العربي، كما لبنان، بلغتها الأصلية. وعلى سبيل المثال، نحن لا نقول رنّة الصوت، بل نقول الـ timbre، (تامبر) والأمثلة تكثر، لكنّها ثقافة صابر، التي لا تتفق مع ثقافة شيرين وكاظم، وهنا لا أقصد أنّه يفهم في الموسيقى أكثر منهما، لكنّ كاظم يجيد اللغة الإنجليزية، وشيرين تجيد العربية، لأنّها تعلمت في مدارس فقيرة، يعني مدارس دول الأباطرة والجهلة. لكنّ إحساس شيرين يتفوّق على كل علم، وهذا ما لاحظناه، من خلال دقّة خياراتها، وهي تقول: سأعتمد على إحساسي.

عاصي أكثر المتحرِّرين.. وانتصرَ على الفقر

عاصي الحلاني أكثر المتحرِّرين من الماضي، سامح مرّ الحياة، وهلّل لحلوها، يقفز فوق خيباته القديمة، مثلما يقفز فوق خيله عابراً المسافات، متنكراً للدموع والآهات، وليالي القحط السود، متفهماً بل مسامحاً، أحكاماً أصدرتها الظروف بحقه.

وعاصي يختلف عن زملائه الثلاثة، لأنه خاض نفس التجربة. وقف هاوٍٍ في استديو الفن، نهاية الثمانينات على شاشة الـ LBC، وترقَّب آراء لجنة التحكيم الأكاديمية، القاسية، «الفجة»، التي لم تكن تبتسم «للرغيف السخن»، كما نقول في لبنان.

وحين انطلق وحده على الساحة «طحش»، وكان مقداماً لا يخاف، ولا يضع أمام عينيه، إلا الإنتصارات الكبرى، وهذا ما جناه.

لم يُثقله ماضيه، ولم يمنعه من تأبّط العود، وتعلِّم العزف وحده، لأنّه لم يكن يملك مالاً للإستعانة بأستاذ خاص، أو الدخول إلى الكونسرفتوار الوطني اللبناني، ورغم ذلك، فهو ملحن بمقياس مطرب.

عاصي أعتبرهُ بطلاً، لأنّه أنجز الكثير من أحلامه، دون «نق»، ودون طلب، ودون أن يمد يده، ودون أن ينحني يوماً، أو نعرف أنّه احتاج عوناً، من ملحن، أو استديو أو من شاعر. طلب البركة، فحلَّت عليه، لكن ليس إلا بعد عرق في عِز شباط.

أحكي ما أعرفه عن عاصي كي يعرف كل الشباب، أنّ ما يعانون منه، ليس مبرراً لسلوك دروب الفحشاء أو لَعِب دور الضحية.

أما صابر فلا يحق لي البوح بالآلام المبرحة التي عانى منها، لأنّي لم أحصل على حقوق النشر بعد.

هؤلاء النجوم الأربعة، يشكّثلون أهم مثل عليا، لشباب عربي يعاني ما يعانيه، من فقر حال وخيبات وظلم.

وبمتابعتهم أسبوعياً على الشاشة علينا أن نتذكر في حضرتهم التالي: فإما أن ننتصر على الغول أو أن يبتلعنا.

Nidal Al Ahmadieh نضال الأحمدية

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار