لمن قرأ هذه الحلقة بأمكانه متابعتها في صفحات أخرى في نفس القسم (مدام جرصة) Madam Jorsa

حكايا من الواقع

الأب أدمن القمار وباع ابنته بأبخس ثمن

الأخت مهووسة والأخ مدمن وهي كانت ذات موهبة فذة

رقصت لرجال الأعمال والأحزاب والأغنياء وجمعت القرش فوق القرش لتتحرر من أسرتها المجرمة

قدمت بكارتها مقابل دخولها المعهد الموسيقي

اشترى لها تنورة وكانت في السابعة وطلب منها أن تلبسها بدل البيجاما وانقض عليها

تبناها الصحفي الكبير فقررت التحرّر من قبضة الجار العجوز

عرفها اللبنانيون نجمة صغيرة، جميلة تملك موهبة متفردة، كونها تميزت بالصوت الجميل، والرقص وتقديم الإستعراض، بالإضافة إلى إتقانها كتابه الشعر والخواطر. عرفها الجمهور اللبناني أيضاً مرحة، لطيفة، وطيبة إلى أبعد الحدود. بريئة جداً كانت، خصوصاً وأن عمرها حينذاك، لم يكن تجاوز الرابعة عشرة. كانت مميزة ومتفردة، لكنها في حقيقة يومياتها السرية كانت مقهورة ومكسورة حتى العظم. عاشت في مستوى راقٍ، هذا ما كان يتهيأ للكثيرين، لكن الواقع الذي كشفته لي، هو أنها عاشت في أسفل درك إنساني، بل إن حياتها كانت جحيماً لا يطاق. باعت نفسها بالغالي والرخيص.

لم يكن ليتصور أحد، أن تلك المدللة التي شغلت الناس بصوتها ورقصها، عانت في طفولتها أشد أنواع القمع، والتعذيب، والذل والمهانة. لم يكن أحد ليتصور أن تلك البريئة تعرف كل أنواع فنون الغرام والجنس منذ كانت في السابعة من عمرها! لكن كيف أصبحت الشهوة قدرها الرئيسي؟ وكيف علقت في قاع المحرمات، والعلاقات الفاسدة ومنها العلاقات غير السوية أي الشاذة؟

الأم والإبنة

كانت الطفلة تعيش في منزل متواضع، إسوة بكل الأسر اللبنانية إبان الحرب ألأهلية. كانت تهرب من ثقل الخوف من القتل، ومن أصوات المدافع، للإستماع إلى أغاني المشاهير عبر راديو (الترانزيستور) يعمل على البطارية كون الكهرباء كانت تنقطع باستمرار. وكانت تهرب من الظلمة إلى عالم جميل مليء بالأنغام والموسيقى، وتعشق خوليو وداليدا وعبد الحليم ووردة وفيروز وصباح. كانت تغني وترقص في غرفتها، على ضوء قنديل الكاز أمام المرآة، وحين كان زيت القنديل يشح، فتستعيض عنه بنور الشمعة.

كانت سعيدة بالملكوت الذي اختارته لنفسها في غرفتها الضيّقه. بينما باقي أفراد الأسرة في البيت، كل يلتهي بأشياء وأشياء. الوالد يسهر مع شلّته على الطاولة الخضراء، والأخت تختلي بإبن الجيران القبضاي في أحد الأحزاب المسلّحة، والأخ غارق مع رفاق السوء يتعاطى المخدرات. أما الأم فكانت رفيقة الجار، الذي لا يتوانى عن تلبية طلبات العائلة، وسداد ديونهم التي لا تنتهي سواء للسوبر ماركت أو فواتير مختلفة.

لم تكن تتخيل نجمتنا أنَّ والدتها ستمنحها لرفيقها الجار. أمها فعلت بها ذلك حين كانت في السابعه من عمرها. لا تزال تتذكر جيداً تلك الليلة، كيف دخل الجار غرفتها، وراح يقبلها، ويحنو عليها ويدللها، فأعطاها شوكولا وهدية كانت عبارة عن تنورة قصيرة، طلب منها أن ترتديها أمامه، بدلاً من البيجاما.

لم تكن تدرك الطفلة نواياه، ولم تكن تعرف أصلاً أن الجار هو عشيق والدتها، ولم تكن تعرف أن من تناديه بـ عمو هو وحش في هيئة إنسان. لم يكن عقلها البريء، يتصور أنه ذئب بشري، يريد أن يلتهمها.

منذ تلك الليلة تغيرت في حياتها أشياء كثيرة.أصبحت تميز بين القبلة والإلتهام، الإستسلام والرغبة، المقاومة والضعف. كانت تشعر بدونيه، وتعجز عن الرفض، فترضخ لطلباته (الجار) والذي استلذ بعلاقته الشاذة مع طفلة.

أما أفراد العائلة فكان شعارهم «طنش تعش». الأم أقنعت ابنتها، أن عليها أن تقبل بما يفعله «عمو» لأنها ليست صغيرة كما يتهيأ للبعض، وأن عليها أن تُرضي «عمو» الذي يتولى مصاريف العائلة، ويلبي احتياجاتهم في عز الحرب.

مرت الأيام، كبرت الطفلة، وهي لا تذكر من طفولتها، إلا جسد (الجار) المترهل الذي يرتمي عليها كل ليلة، ليلقي بأذنها كلمات مبهمة، لا تفهم منها شيئاً، لأنها باختصار كانت حينها جسداً صغيراً قتلوا فيه الروح!

الانطلاقة والموهبة مقابل البكارة

شكت النجمة لي تروي، أن خطأها لم يكن فردياً بل جماعياً وبقرار أُسري خطأ لا مبرّر له حتى الموت من الجوع.

لذا حاولت مواجهة العائلة حين وعت ما يحدث لها، لكن لا حياة لمن تنادي. فانصاعت ورضخت لسيطرة الأم المتصابية، والأب المقامر، والأخ المدمن والأخت المهووسة. كل ذلك لم يجعلها تلتهي عن الفن الذي طالما عشقته. كانت بعيدة النظر، وموهوبة. عندما كانت تغني في كورال المدرسة، كان الجميع يعجب بصوتها ويصفق لها، وحين تعتلي خشبة المسرح، كانت تبهر الجميع برقصها الجميل وجسدها المتناسق.

كبرت الطفلة وتفجرت معالم الأنوثه فيها وظلت الوجبة الدسمة للجار. لكنها فطنت أن لا تسلم له نفسها إلا بعد أن يتولى إلحاقها بالمعهد، لدراسة الموسيقى وأصول الغناء. هي تملك مهارات عالية، ومرونة فائقة، بكل أنواع الفنون. وكان لها ما أرادت مقابل أن قدمت له بكارتها ثمناً، بعد أن سمعت كلامه، ونفذت تعليماته، واستجابت لشذوذه.

هي بالمقابل، لعبت على نقطه ضعفه، فكانت تثير دهشته، كونها في عمر الرغبة، وهو كان تعدى الخمسين. باتت تعرف كيف تشعل النار في جسده الوهِن، فأيقن أن التي يملكها، امرأة صغيرة نادرة، وأنه وحده القادر على تسييّرها لأنها جاريته منذ سنوات طويلة. وهي أدركت أنه يستطيع أن يُلبي كل احتياجاتها برشوته جسدياً وليس بالعند كما قالت لي. تفاهمت مع عالمها الذي لم تعرف غيره، وقررت سراً، أن تبني لنفسها مستقبلاً، بعيداً أسرة منحلة، باعتها بأبخس ثمن. تعلّمت السولفيج والفوكاليز والعزف وأصول الغناء، وصارت تغني في المقاهي والحفلات، وانتشر اسمها هنا وهناك، فصارت تُطلب للحفلات الخاصة، ولم تتردّد لأنها كانت ترمي إلى أبعد من ذلك. كانت تريد أن تجمع القرش فوق القرش، لتستقل بنفسها. أحيت حفلات لرجال أعمال، وأحزاب، وأثرياء، ولم تمانع في أن تتحرر من ثيابها وهمومها وهي ترقص وتغني لهم. كانوا يستمتعون، وكانت تأخذ منهم أضعاف أضعاف المتفق عليه من أجر مع أمها قبل الحفل.

بدأت تجمع بعض المال، وتتحرر من القيود شيئاً فشيئاً، خصوصاً عندما تعرفت إلى صحافي كبير، وشهير، في الأوساط اللبنانية. كان معروفاً بصيته الحسن وإسلوبه المميز بالكتابة. كان يكبرها بسنوات كثيرة. فتح قلبه لها، بادلته المشاعر نفسها، وأيقن منذ لقائه الأول بها، أنه أمام موهبة من نوع خاص، وأن هذه الموهبة بحاجة إلى صقل ورعاية، لكنها في الوقت عينه تحمل في دواخلها سراً كبيراً.

إرتاحت الصبيه الفنانه لصداقتها بالصحفي، وصارحته بكل ما يدور في منزلها من أمور مشينة. أخبرته حكايتها منذ كانت في سنواتها السبع. وكيف كانت تسلم جسدها الصغير للجار كي يعبث به، وكي ترضي أمها المتصابية، وتسدد ديون والدها المقامر. وأخبرته كيف أنها وبعد كل هذه السنوات، من التضحية الإجبارية، تجاه أسرة ملعونة، لا تشعر بحنان الأم ولا بسند الأب. حتى شقيقها ترك المنزل، واختار العيش مع شلة السوء، في أجواء العربدة والإدمان، وكيف أن أختها تعيش حياتها بالطول وبالعرض، وتعاشر أياً كان، حتى التقت بشاب ينتمي لإحدى المنظمات فاشترط عليها أن تكون له وحده، لكن بالمساكنه، وليس بالزواج الحلال، على أن يتولى رعايتها وتأمين كل احتياجاتها، فوافقت وارتضت بالحياة الجديدة من دون أن تلتفت إلى أهلها رغم تهديد ووعيد الأم التي كانت تريد أن تبقى ابنتها الكبرى عصفوراً طيّاراً لتساير كل من يدفع لها أكثر. أما هي أي النجمة الصغيرة فأصبحت مثل الدمية التي ترقص على السلالم، فلا عرفت صعوداً ولا هبوطاً!

التبني

أعجب الصحفي بجرأتها، ومصارحتها له، وبقدرتها على تقمص دور البنت الخفيفة الظل، المعجونة بالفن، وهي في الواقع كتلة من الوجع. قرر الصحافي أن يتبناها، ويسخر كل علاقاته لمساعدتها، وتقديمها بأبهى صورة للجمهور، خصوصاً وأنها تملك كل المؤهلات، وهي بالتالي وثقت به، وأحبته محبة الإبنة لوالدها، إذ يكفي أنه يعاملها باحترام شديد، ولم يفكر أو يحاول مرة، أن يستغلها جسدياً.

وكان أوّل شروطه كي يتمكن من مساعدتها هو قطع علاقتها المشينة بالجار تدريجياً، وكي تتحرر منه عليها أن تستغني عن مساعداته وأمواله، لكن كيف وهو الآمر الناهي في البيت؟

يتبع

  • بيروت – ابتسام غنيم
Copy URL to clipboard

























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار