أدب الأكل

  • لجميع جوارح الإنسان مسالك في الآداب، إذا تخطاها وجانبها وأهملها، فإنها تعود عليه بالخسران في حياته الجسدية والمعنوية، وينعكس أثرها على أعصابه وعقله وفكره وأغشية جسده ومزاجهِ ودمهِ.
  • ليس الأمر أن يكون موضع انتقاد أرباب الإتيكات والأدب، بل يعود بالضرر على النفس.
  • من آداب الأكل، غسل اليدين غسلاً جيداً بالماء الطاهر قبل الجلوس إلى المائدة.
  • النظافة الخارجية تُعطي صاحبها شعوراً بالنظافة الداخلية.
  • الإنسان لا ينفصل داخله عن خارجه، ولا ظاهره عن باطنه، فهو كل لا يتجزأ.
  • على الآكل، أن يعمد إلى غسل يديه وشفاهه وفمه بعد فراغه من المأدبة، فيتطهر من جديد، من روائح الأطعمة التي تكون قد علقت بيديه وشفاهه وفمه، فلا يزعج الآخرين ولا يزعج نفسه بما تحمله من الروائح والسموم.
  • قبل مباشرة الأكل، يقضي سلوك أدبه أن يقطع الإنسان علاقته الفكرية بما يحوم حوله من هموم وأحزان، وما علق بذهنه من معضلات أمسه ويومه، وما ينتظره في غدِهِ، فيكون صافي البال، هادئ الجنان، مرتاح الأعصاب، فينعكس ذلك على كل أغشيته وأعضائه وأدوات الهظم والإمتصاص والمعدة والإمعاء في عملها الإفرازي والتحويلي والاستيعابي.
  • هذا هو قصد الصلاة ومعناه في إحدى مواجهاته قبل تناول الطعام وبعده، فيما عدا ما ينطوي عليه واجب الشكر والعرفان والاعتراف بالمنة، وبمشاركة المولى في عيشه وإبداعه ورزقه الذي لا ينضب.
  • الصلاة قبل الأكل وبعده تسهم في جعل الفكر يطمئن ويخدأ، ويصفي الذهن من مشاكل اليوم وغدهِ، وتوحد النفس في استقطاب نشاطاتها، فينسجم الإنسان جسدًا وروحاً ولا يعود موزعاً في أعماله وأفكاره ومشاعرهِ.
  • على الآكل، طيلة ما يستقر به مقام الجلوس إلى المأدبة، أن يجانب كثرة الحديث، وخاصة التحدث عن قضايا شغله ونشاط يومه وتصاميمه ومشاريعه.
  • وقت الأكل لا يُفيد منه الإنسان إلا إذا كان فترة راحة وانفراج وبسط وانبساط.
  • أفضل أدب هو الصمت ما أمكن، وإذا لم يحسن الإنسان ذلك، فعلى الآكل أن يعلّق فكره بالمواضيع المفرحة وبالمواجهات البهية، ولذا كان ترتيب المائدة ووضع الزهور عليها مما يفرح العين ويسرح في أثره الفكر.
  • إن كنت ضيفاً، فمن آداب الأكل أن لا تحضر مأدبة لم تدع إليها، وأن لا تزعج الجالسين بما لديك من معضلات، وما تطلبه من حاجة، وما تسعى إليه من مصالح.
  • لفعل الأكل وممارسته لون من التكريس والقدسية ينبعث من مشاركة الله تعالى في رزقِهِ وحلاله.
  • لذا كانت العادة مندرجة سالكة بين المؤمنين الأولين في جميع الأديان تقريباً، أن يجلسوا ليأكلوا سويةً على طريقة الغربانية اليونانية، فتنزل البركة فيما بينهم ويتحسسون بواقع نعمتهم، وما يستطيعون إليه من الوصول من مآكل وأغذية، ويتذكرون المحرومين على وجه الأرض، إن لم يكن هؤلاء بينهم وغير بعيدين عنهم.
  • كلما تداولت الطعام الأيدي زادت بركته، وأضحى له معنى من المشاركة وشعور الفضيلة والنعمة، وقصد الزكاة والمنة.
  • من آداب الأكل أن يسترسل الإنسان بعده إلى الراحة فترةً، فلا يقرأ ولا يعمل ولا يقكر فيها، كي يستمر في إراحة ذهنه وأعصابه، وتوفير أفضل الأجواء لعمل الطبيعة فيه في هضم وامتصاص ما ورد إليها، والذي سيصبح قطعة من جسد الإنسان، يتكون منه دمه وأغشيته ومادة حياته الشحمية.
  • قد يكون من المفضل أن يمشي الإنسان قليلاً دونما تعب، كما يفعل الحيوان تماماً عند استسلامه إلى الراحةِ التامة أو إلى الجري الهادئ.
  • من آداب الأكل أن لا يشرب الإنسان قبل مباشرته الطعام، ولا إبان الغداء ولا بعده مباشرة، لأن ذلك يفسد عمليات الإفراز والهضم.
  • يبلغ هذا الإفساد مبلغاً شديداً عندما يكون الآكل قد تناول الفاكهة بعد الطعام مباشرة.
  • لا يجوز شرب الماء إطلاقاً إلا بعد مرور ما يقارب الساعة على الانتهاء من الطعام.
  • يجب أن لا يُدخلَ الإنسان طعاماً على طعام، فلا يأكل إلا عند جوعه ولا يشرب إلا عند عطشهِ، وإن فعل غير ذلك أفسد نظام جسده وأدخل العلل وتملكته أدواء، فأصبح عالةً على المعالجة أو أصبحت المعالجة عالة عليه.
  • من آداب الأكل تنوعه، فلا تصبح الأجسام إلا بانسجام أعضائها وتناسق نمو أغشيتها ووظائفها، بحيث يعمل الجسد ككل عضوي لا تتأخر فيه أداةٌ عن القيام بما يتوجب عليها.
  • من طبيعة هذه الأعضاء والأغشية أن تختلف في تكوينها المادي، وينعكس هذا الإختلاف في الأمزجة والطباع التي تظهر في الجسد وفي غلبة انطباعه، وفي الصحة وفي المرض.
  • كان الأقدمون يعتبرون أن للجسم أربهة أمزجة: الرطب والبارد والحار واليابس.
  • نوع المآكل ضروري وأمر واجب لازم لأجل الحفاظ على صحة الجسد.
  • المرض لا ينجم عن الجراثيم والطفيليات، إلا على قدر ما يكون اختلال انسجام الأعضاء والمزاج في الجسد قد هيأ لها ولعملها التخريبي.
  • من أعراض العمل التخريبي المرض ومن ضمنه الحرارة المرتفعة.
  • يجب التنبه إلى تنويع اصناف الطعام بشكل مستمر، يفيد منه الجسد وجميع أعضائه بصورة كاملة.
  • يجب العودة إلى الأطعمة الطبيعية وتناول الأطعمة الكاملة كالخبز الأسمر الذي لم تُسحب منه مواده الغذائية وكالحليب الكامل وكالأجبان التي تصنع على الطريقة الريفية والعسل ووجبات الحبوب المتنوعة.
  • للأكل أهمية بالغة في شؤون المرض والصحة، لأن الجسد في النهاية يتكون من الأكل والشراب.
  • من القواعد التي يجب أن نتبعها، كما يتبعها الحيوان، تناول المآكل أقرب ما تكون إلى حالتها الطبيعية.
  • نحن في النهاية أبناء البيئة ومن سلالة هذا الحيوان ذاته، فلا يجوز أن نخرج عن القواعد التي اعتمدها بفضل الغريزة.
  • من آداب الأكل أن نأكل ببطء وبتوانٍ. فنلوك الطعام على ألطف ما يمكن أن يكون ذلك.
  • كلما نعِم ولطف الطعام وأضحى قريباً من السيلان، كلما سهل هضمه، لأنه يختلط بالريق على أفضل اختلاط.
  • الريق كما هو معلوم يحتوي على كثير من العناصر التي تسهم في تحويل الطعام وهضمه.
  • المضغ أساس في عملية الهضم وتحضيرها وتسهيل حركتها.
  • بعض أمراض المعدة والأمعاء ناجمة عن اختلال المضغ أو التقصير في القيام به.
  • قد يحدث سوء التغذية من خلل في حسن المضغ.
  • عليك أن تعلم أن لطهر الأكل والشرب حرمةٌ لا تقرب منها سائر الحرمات، فلا تأكل مما اشتبه في مصدره وإنباته، وبيعه وخزنه، ووصوله إليك.
  • للمس وللمعاطاة، وللنفس فوق الطعام، وليد الطابخ والطاحن والمكتنز، أهمية كبرى في نقاوة الطعام وفساده.
  • تعلق بالمآكل النوايا الخبيثة والطاهرة على السواء، تشتبك بها وتتداخلها ما علق بالأيدي وبالأفكار وبالأعمال والفضائل والموبقات.
  • يقولون في المثل الدارج: “النفس أصل في الطعام” ولكل طابخ نفس طاهر أو فاسد.
  • لا تنس أن الجسم الذي يتغذى بالكثيف، ويأخذ من الطعام ما كثفت به العناصر، يغذي بدوره اللطيف الذي هو نفس الحياة.
  • للأكل والشرب أهمية خاصة ليس فقط في تكوين الجسد السليم بل في تكوين النفس السليمة والعقل السليم، لأن الجسد يتكون من الأكل والشرب وما هي عليه كثافته ولطائفه.
  • اعلم أن الطعام والشراب يرتبط بطبيعة الأرض التي يعيش عليها الإنسان والحيوان.
  • أفضل الطعام والشراب ما استنبته واستقاه من أرضه وينابيعها، ولا يجلبه من الخارج أبدًا، هذه هي القاعدة الذهبية لطب الأقدمين على اختلاف مذاهبهم، وهي القاعدة التي يعود إليها اليوم بعض أطباء العصر المتقدمين في الغرب والشرق.
  • هذه القاعدة هي التي يطبق محتواها شعبٌ صغير لا يعرف المرض إطلاقاً ويعيش في شمال شرقي الباكستان ويعرف بقبائل الهونزا، كُتب عنه الكثير وخاصة الدكتور ماك كرزن الذي عاش في تلك البلاد قرابة ربع قرن، فلم ير فيها مريضًا واحدًا ولو لصداع.

نضال الأحمدية

نقلاً عن كتاب أدب الحياة كمال جنبلاط

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار