في نهاية كل عام قلائل أو كثيرون منا يعدون العدة ويحسبون الحسابات للكف عن أخطاء اقترفوها وهذا جميل..

لكن البعض يعدُ نفسه أن لا يخطيء في العام الجديد أبداً، دون أن يكون فاهماً أن فعل الخطأ الجديد، (غير المكرر) يكون نتيجة مغامرة جديدة وفعل جديد وهذا خير.

الخطأ يكتسب قيمته ليس من طبيعته البائسة بل من أسبابه المبهرة..

من لا يخطيء هو من لا يفعل، هو العاجز الخائف المرتعب المشلول المهبول.

لا بأس أن نخطيء شرط أن لا نكف عن الانخراط في قلب الحياة، والوقوع فيها كي لا تقع علينا..

حين نعمل كثيراً ونجتهد كثيراً فنخطيء بمعدلات أعلى.. لكن كل خطأٍ يقودنا إلى معادلات مضاعفة من النجاحات التي تزيّن عمرنا وتشعل فينا وهجاً يجعلنا مقبلين على حياة ممتلئة بالحب والفرح والجمال..

يسقط مفعول الأخطاء لأنه يدفعنا إلى العمل الصحيح..

ينتهي مفعوله الأخطاء لأنه تحرضنا لأن نحقق عكسها..

لا تخف من الخطأ.. هو الوحيد الذي يقودنا إلى الصواب.

ماذا نحتاج في زمن جديد أسمه سنة جديدة؟
نحتاج إلى شجاعة أكبر بكثير من تلك التي نتغنى بها.. نحتاج إلى فيض من الحب والإقبال والبحث عن أنفسنا وفيها، لنتحرش بنواقصها ونحسن ما فيها، وكل ذلك يحتاج فقط إلى شجاعة.
والشجاعة مؤلمة، هي كوخز الإبر في رؤوس شفاهنا.. 
لكن من يحتمل الوخزة الأولى ثم الثانية فالثالة فلن يشعر بعدها بالوجع لأنه يصبح محمياً بفعل الخدَرْ..

هل جربت ألماً مضاعفاً لتعرف أنه كلما كبُر الألمُ فينا كلما قلّت الآهات، فنهجع، ونعمل وننجح ونُبدع..

لم يمر يوم في حياتي دون وجع كثير..

وما خفت ولا ترددت ولا هربت.

كنت أستقبل الضربة تلو الأخرى حتى تعلمت أن الضربات الكثيرة تقويني فتجعلني أقل قدرة على فهم ما يحدث لي.. وحين لا نفهم ما يحدث لقلوبنا المجروحة، نبحث عما نفهمه وهكذا نقتل الوجع فلا يقتلنا ونحقق الوعود..

ليس الألم كما نعتقد، إنه مسألة نسبية يصير مثل الزمن الضوئي إن تحملنا أوله.
لحظة تنطفئ الأضواء منتصف ليل سنة ننتقل فيها إلى سنة جديدة، ترتفع الأصوات وبعضهم يزغرد وآخر يطلق النار والغالبية تدق الأجراس أو تشعل الألعاب النارية وكلها كما نتأمل أفعال ضجيج تعبر عن رغبة بعدم التفكير..  ومن يهرب من التفكير فلأنه يخاف. 
من ماذا نخاف؟
نحن نخاف من كل زمن آتٍ.. 
نخاف من الغد، ونسأل البصارة عنه، وفي أحسن الأحوال المتبّعة والتي صارت تقليداً أعمى، فأننا نردد عبارة (اتكلنا على الله) وفي الحقيقة نحن لا نتكل على الله، لأننا نلفظ العبارة ولا نعنيها، أي لا نعمل بها كي نحولها إلى فعل مقدس..

الإتكال على الله يعني أن نقوم بأقصى مجهوداتنا تحضيراً للغد، وحين نفرغ من ما يمكن أن نقوم به كإضافة فنقول: (أنا فعلت ما بوسعي وأنت يا ربي لم تكلفني إلا ما بوسعي.. عليكَ أتكل الآن بعدما أديت كل أقساطي من الإجتهاد..)
ذات لقاء مع ماجدة الرومي كنت أشعر بالغضب الشديد منها لشدة هدوئها وعدم سعيها لفعل شيئ يقيها الجلد الذي تتلقاه فقلت لها متحاملة: 
عليكِ أن تفعلي شيئاً وأن تكفي عن الجلوس مكتوفة اليدين وترداد عبارة كما يشاء الله.. وتابعت أُخفِضُ صوتي كي لا أزيد من جروحها زقلت: الله يا ماجدة يشاء ما تشائين.. افعلي شيئاً..

ورأيتها تنحني على طاولة جلست بيننا، وقالت لي تشير إلى ما عليها من أكواب وفناجين ومنافض سيجارة وراحت تنقل أحد الأكواب من مكان إلى آخر وتقول بل تسألني: هذا الكوب سأضعه هنا.. هل تعتقدين أنه معرّض للوقوع عن الطاولة فينكسر؟
وأجبتها: طبعاً.. لقد وضعتِه على حافة الطاولة.. وأجابت بهدوء: طيب.. سأغير مكانه.. (ونقلته إلى مكان مختلف على سطح الطاولة) وسألتني: والآن هل يعاني الكوب من خطر؟
تأملت وهززت رأسي وقلت: يمكن أن تجدي له مكاناً أكثر أماناً..
وهكذا ظلت ماجدة تنقّل الكوب من مكان إلى آخر وأنا أعترض، إلى أن اقنعتني فوضعته في منتصف الطاولة وأحاطته بكل ما عليها من أوانٍ ما يعني أنها سيجته وقالت: الكوب الآن بأمان وأياً كانت الريح التي قد تهب فلن ترميه أرضاً وتكسره.. ثم سألتني: لكن ماذا نفعل لو جاءت العاصفة؟

ووجدت نفسي أصمت وأتأمل فقالت: فعلتُ الآن كل شيء أقدر عليه، وسأفعل كل شيء نسيته.. أما الباقي "ما عاد شغلي صار شغل ربنا.. لهيك بقول اتكلت على الله"

وتابعت تزم أصابعها منحنية صوبي: أنا لا أتكل على الله كي يدير أموري وهو سبحانه من أعطاني القدرة وميزني كي أدير أموري وأمور غيري "كمان".. لكن حين نقوم بكل ما علينا القيام به، فعليه نتكل وإليه نرجو ونتوسل ونطلبه صبحاً مساءً كي يُنزل فينا لطفه.. 

طالماً كنت مقتنعة بأن الله لا يفعل ما يريد هو، بل ما نريد نحن، لأنه (الله) أكبر المحترمين وأعظم المعترفين بحقوقنا في الحرية.

الله هو الحرية بعينها فكيف يصادرها منا ليفعل بنا ما لا نريده ولا نتمناه ولم نهيئ له..

ما يحدث لنا فإنما هو تقص منا، هو كسل نرغبه، والكسل متعة، والمتعة شيطان مثل المِتاع، والمِتاع حجة الناقص الذي يبحث عما يسد به فراغ قلبه فيقتني كي يقتنع بضرورة وجوده..

المقتني لا يعرف معنى إنسانيته ولا يفهم كنه وجوده..

في الهند ينامون على حصيرة، ويقتاتون من صحن بحجم كف اليد..

هل أتفلسف عليكم وأقول ما لا أفعل؟

ليس صحيحاً.. إني أنام على كنبة بل على نصف كنبة، وآكل إن توفر طعام، ولا أنام قبل إن أنهي كل واجباتي، وإني لا أسهر على كاس وتبولة ولا أتبرج وأخرج لإقناع الآخرين بي..

وحدي أحقق ذاتي وأعطي لسر وجودي قيمة وأرتجي ربي أن يرضى عليّ كي أشعر بالفرح.. ولا يوم من أيام عمري ارتجيت رضى الناس.

الفرح سر الوجود لأنه مزراب محبة.. كل عام وأنتم تملكون طاولة ترتبون عليها مشاريعكم، ولا تنامون إلا على كنبة كي تدركوا أن الفراش الوثير للأجساد الفارغة وأن الأكل الكثير فللعقول الضامرة.. كل سنة وأنتم مزاريب نور وفرح وحب وانتصارات.

  نضال الأحمدية

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار