بروفسور يوسف مونس
بروفسور يوسف مونس

يسوع في كفرناحوم في الطريق إلى أورشليم (مرقص 2)، إنه في البيت والناس تزدحم حوله ودائماً الناس تزدحم حوله، طالبةً الشفاء وسماع كلمته. «أتوه بمخلع يحمله أربعة رجال». ولأنّ الطقس حار فيسوع جالس على «السطيحة» الخارجية والناس لم تترك مكاناً حوله لأحد.

وفاجأ يسوع الجموع وبدل أن يشفي المخلّع، قال مغفورة لك خطاياك.

فاندهش الحضور وتساءلوا من يستطيع أن يغفر الخطايا إلاّ الله، فمن يعتقد نفسه هذا؟ فهو يجدّف. والمخلّع المطروح أمامه آتٍ ليُشفى من مرضه وليس لتُغفر خطاياه. وعرف يسوع ما يدور في بالِ الجمع حوله، فعاد وقال للمخلّع:

لكَ أقول قم، احمل فراشك واذهب إلى بيتك. لتعرفوا أن ابن الإنسان له القدرة أن يغفر الخطايا وأن يشفي من المرض.

قال للمخلّع، قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك.
هذه الكلمة «قم» تتردد كثيراً في الإنجيل، فالابن الشاطر قال في نفسه: أقوم وأمضي إلى أبي. والناس قالوا للأعمى «قم» إنّه يدعوك. لذلك علينا أن نقوم، أن نقف ونمشي إلى يسوع. لكن قبل أن يقوم المخلّع «حمله» أربعة أشخاص. من هنا أهمية أن «يحملنا» الآخرون، أي أن يساعدوننا ويعينوننا للذهاب إلى يسوع. وهذا لا يكون الاّ بالرحمة والمحبة والمغفرة والمصالحة والرقة والتشجيع. كل واحد منّا إنسان مخلّع، مفكَّك، ناقص، معطوب في مكان ما من نفسه أو جسده. فهل نجد من يحمل ضعفنا ويأتي بنا إلى يسوع؟ من هنا حاجتنا للآخر، ليحملنا ويحمل ضعفنا ويقبل بنا إلى يسوع أم أن هذا الآخر لا «يطيقنا» ولا يقبل بنا وبضعفنا، ومعطوبيتنا ليساعدنا للوصول إلى يسوع فلا يتركنا على الدرب حيث عرّانا لصوص الدنيا، وكالسامري الصالح، يحملنا ويساعدنا لنذهب الى الشفاء والقرب من يسوع.
فهل أنا اليد الممدودة للمساعدة للوصول إلى قرب يسوع يشفي الأوجاع والمرض والخطيئة أقوم وأمشي؟ معونة الآخر تقربني من يسوع بدل من أن تدمرني في نفسي وجسدي وصيتي وكرامتي. كل واحد منا بحاجة لآخر يحبه ويحمله. الآخر هو جسر العبور بنا إلى يسوع بالرحمة والرقة والوداعة واللطف والعطف على ضعفنا البشري وجرحنا وكسرنا النفسي والجسدي. الضعف البشري، والمعطوبية الإنسانية عنصران أساسيان في جسدنا وسلوكنا وحيادنا فهل نجد من يحملنا إلى يسوع؟ من هنا مسؤوليتنا عن بعض البعض أمام الله والناس.
هل نجد من يعطينا كأس ماء لنشرب؟ نلتقي بذئاب حولنا تنهش لحمنا وتشرب دمنا. أم اننا نصادف قساوة القلب والكراهية والحقد والحسد والضغينة والرفض؟ فنسمع كلام اشعيا يدوي قائلاً: «كرهت ذبائحكم وقرابينكم لأنكم لا ترحمون». فنحن من دون محبة نحاس يطن أو صنج يرن كما قال بولس الرسول. نعيش في رتابة طقوسية تكرّم الله. شفاهنا وقلبنا بعيدان عنه. لأننا لا نحب أخانا الإنسان ونكذب عندما نقول اننا نحب الله. وجرح خطيئتنا ينيرُ وينزف فينا كالبرص والطاعون يأكل جلدنا ولحمنا. شفاؤنا يكون بالقرب من يسوع بالمحبة والإيمان والصلاة والصوم ومحبة الآخر بالتوبة والاعتراف والمناولة. لأن المحبة وحدها تجعل منا أبناء لله واخوة ليسوع ونشهد بها اننا تلاميذ يسوع وبهذا يعرفنا العالم. تخلّصنا وتفكك أوصالنا يشفيهما الحب. لنقوم ونعود إلى الآب إلى الله الذي هو محبة.
قم إنّه يدعوك! أنت النازف، أنت الأبرص، أنت الأعمى، أنت العائش مع الخنازير، أنت المخلّع، النت المدفون كلعازار.
أنت المباع كيوسف،
أنت المضروب بالمرض كأيوب.
أنت التائه في لا صحراء كموسى.
أنت البائع جسدك كيهوديت. أنت الراقص كسلومي طالباً رأس يوحنا على طبق.
أنت الغاسل يديك كبيلاطس من دم الأبرياء.
أنت الحامل كيهوذا كيساً فيه ثلاثين من الفضة ومعلقاً رقبتك بحبل في التينة، أنت المنتظر صياح الديك كبطرس، أنت المشكك كتوما، أنت الصارخ: دمه علينا وعلى أولادنا.
والواقع عن الحصان كبولس وتسأله من أنت؟
هل طبعت جراحاته في قلبك، ويسوع ينازع كما يقول باسكال، ينازع طوال الليل من أجلك وهو خائف يعرق دماً يصرخ قائلاً إن كان يستطاع أن تبعد عني هذه الكأس.
إلهي،إلهي لماذا تركتني؟ لتكن مشيئتك، لقد تمّ والتحمت أوصالي وها أنا آتٍ الى فرح اللقاء بيسوع وبالآخرين.
لقد حملتني المحبة إلى القيامة من موتي وغربتي ويأسي وكآبتي. «الأنا» مدينة مسكرة مغلقة. الآنا وحدها اعدام لذاتنا قبل أن تكون إعداماً للآخر. من هنا أهمية إدراكنا إن أنا هي بالحقيقة «أنا- أنت». أنت تجعل مني حاملاً معنى لوجودي وبالحب والاحترام تجعلني أغتني بك وبنظرتك إليّ. عيناك هما الأفق الذي يأخذني إلى الخروج من مدينتي المغلقة المسكرة إلى رحاب الوجود. أنت تحملني إلى ذاتي وإليك وإلى يسوع. إن غاب وجودك عني فأنا إنسان ملغى في وحدتي وغربتي. إحملني بحبك وسر بي إلى يسوع.

البروفسير يوسف مونس

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار