نادين الراسي
الممثلة اللبنانية نادين الراسي

لا داعي لأن أذكّر بأني لا أشاهد التلفزيون بل الـ YouTube وهنا أنوه بأن الشاشة الصغيرة إلى تهلكة حقيقية وقريباً.. طالما حل مكانها الإنترنت الذي يوفر كل المرئي وتبعاً لشروطنا نحن المشاهدين لا تبعاً لشروط المتحكمين بالأونتين! أشعر بالتردد.. هل أكتب أم أن القارئ سيعتبر أن ما أقولَه ليس مهماً طالما أنه أي المشاهد نفسه هو هذا المطمور بالنفايات على كل المستويات.. وطالما أن النقد الدرامي ما عاد موضة ويكاد ينقرض مثله مثل النقد الموسيقي في عالم عربي جاهل أكبر جائزة فيه هي (الموريكس)!

بدأت بمشاهدة مسلسل (الشقيقتان) وسارعت لتهنئة أبطاله عبر التويتر منذ الحلقة الأولى لأني لبنانية وأريد صناعة درامية تعوض لبلدي خساراته في مجالات الإبداع والصناعات المختلفة غير المتوفرة.. شاهدت الحلقات العشر الأولى ووقعت في خيبة وغضب من المستوى المتدني للإخراج والقصة والسيناريو والحوار. وبما أني كنت أبحث عن الشقيقتين في العمل وصولاً إلى الحلقة الثالثة.. وبما أني استمريت إلى الثامنة في ليلة واحدة فلم أجد (الشقيقتان) بل وجدت الأختين (الأختان) ما جعلني آسف لهذا العيب الذي وقعت به الكاتبة خصوصاً وأن لغتنا العربية تعاني الويلات في زمن السوشيال ميديا والدخلاء على النص العربي من أوباش ينتحلون صفات.

أبطال مسلسل (الشقيقتان)
أبطال مسلسل (الشقيقتان)

ولأني أعرف أن الكاتبة أرمنية فأستغرب أن لا ينتبه كل فريق العمل وأولهما الذكية نادين الراسي والمثقفة جداً رلى حمادة.

نادين أرسلت لها رسالة صوتية أهنئها على أدائها الرائع وعلى التقنية الجديدة التي تتبعها في التعبير وكيف تبهرني كل مرة بأنها لا تؤدي أدوارها بنفس الإيقاع وتعرف كيف تلبس الشخصيات على تنوعها واليوم أرسلت لها أسألها عبر الـ WhatsApp اقول:؟

* أين (الشقيقتان) في العمل يا نادين لا أرى (شقيقتين)؟ وردت؟

– تعنين الشقيتين؟ وضحكت ما يعني أنها لم تنتبه.. لكنها سارعت وبعثت برسالة ثانية بعد ثانيتين توضح فيها أنها تستغرب من نفسها كيف أنها لم تنبّه المشرفين على العمل أنه خطأ وأن العمل يجب أن يحمل اسم (الأختان).

هنا التسجيل الصوتي بعد استئذان نادين:

رلى حمادة اتصلت بها أهنئها على فخامتها في أداء دورها وعلى حضورها الممتع وهي واحدة من أهم الممثلات في العالم وإني مسؤولة عما أقول بحق فنانة لبنانية هي من الممثلات العربيات القليلات اللواتي يتمتعن بكل هذه الحرفية العالية في أداء الشخصيات على اختلافها. سألت رلى: أنت شاطرة بالعربي كما في لغات ثانية كيف لم تنتبهي:

وأجابت أن لا تعليق وأن عليّ أن أسأل الكاتبة وأن الأمر لا يعنيها.

ثم سألت عدداً من الناس أحقق معهم بطريقة غير تلقينية والغالبية منهم أكدت أن الشقيق غير الأخ وما فاجأني أن الجميع يعرف الفرق بين الأخ والشقيق وأن المسألة لا يوجد فيها نظرية أينشتانية!

ما يعني أننا نعاني من تفكير سطحي في كل شيء ويعني أني أشعر بأن لا داعي لأن أكتب طالما أن الغالبية تعرف الأخطاء وتسكت فإنما يدل ذلك على فهم العامة لما تعانيه الدراما اللبنانية من استخفاف وتسطيح والبقاء تحت المستوى الذي يليق ببلد الإبداع كما التجارة.

الممثلة اللبنانية رولا حمادة
الممثلة اللبنانية رولا حمادة

ملاحظة لمن لا يعرف: (هناك فرقٌ بين الأخت الشقيقة والأخت غير الشقيقة، فعندما نقول أختين شقيقتين فيعني ذلك أنّهما لهما نفس الأم والأب، بينما الأختين غير الشقيقتين فهما اللتان تشتركان معاً في الأم أو الأب)

وهذا لا ينطبق على الأختين في مسلسل (الشقيقتان). الخطأ الذي تعتبرونه من التفاصيل هو من يؤدي بنا إلى كارثة الأخطاء الكبيرة التي وقعنا بها وتجرنا إلى العقيم من النتاجات على أنواعها في الفن وغيره.. المستهتر يجر الرأي العام إلى خانته، ومن لا يعرف القليل لا يمكن أن يعرف الكثير..

وإن أجاب أحد البلهاء بأني توقفت هنا في عمل مؤلف من 37 حلقة فأقول:

لا.. لم أتوقف هنا.. بل مللت من سخافة التصوير واللقطات الـ Long والألوان والكادرات والقصة (التي لا قصة فيها بل حدوثة صغيرة) والحوار المضحك إذ تقول بنت فقيرة مثلاً.. وهي غير مثقفة وتعمل خياطة وسارقة.. (البنت أعني بها الممثلة زينة مكي وتلعب دور ابنة رلى حمادة) الصيادة الفقيرة على شاطئ البحر تقول في جملة لها: أعيش فقراً مميتاً!

الممثلة اللبنانية زينة مكي
الممثلة اللبنانية زينة مكي تعيش فقراً مميتاً!

أذكر ذلك على سبيل المثال العابر لألحظ مثلكم أن بنتاً تعمل خياطة وسارقة ولم تحمل الكتاب يوماً لكنها تتحدث مع شقيقها واصفة الفقر بالمميت! كيف لبنت لا تعرف الألف من الباء تتحدث وكأنها من المثقفات المالكات لمفرداتها..

وعلى كل حال لو كانت الكاتبة كلوديا تعرف كلمة (مُدقع) لجعلتها تقول: أعيش فقراً مدقعاً.. وهنا نشكر الله على نعمة الجهل الذي يفيد ولا يضر. والحمدالله أن الأدوار هي لشخصيات من أصحاب اللسان الساذج..

لكن هل يعقل مثلاً أن يدافع المحامي عن نفسه (باسم مغنية) أمام الضابط كما يدافع متسولاً جاهلاً (عونطجي) ولا يستخدم أي تعبير قانوني أو جملة مفيدة تشير إلى اختصاصه..

هل يعقل أن نشاهد كلية الحقوق وهي ليست كلية الحقوق التي لم يكن يوجد غيرها في لبنان حسب زمن المسلسل؟

الممثل اللبناني باسم مغنية
الممثل اللبناني باسم مغنية يرتاد جامعة لكنها ليست كلية الحقوق

هل يعقل أن لا ينتبه المخرج ولا الكاتبة إلى أن عدداً هائلاً من خريجي الكلية الأولى في العالم ضحكوا حين شاهدوا.. وكنت أعتقد نفسي وحدي من لاحظ لكني فوجئت بعدد هائل يسخر وتوقف عن المشاهدة ليخبرني أنه يتابع المسلسل التركي الرائع (أمي) وشخصية سياسية من المثقفين قال: أنتِ مضطرة للمتابعة لأنه عملكِ أنا اشاهد The Fall على قناة الـ Netflix وثالث نصحني بأن لا أفوّت الحلقة الجديدة من المسلسل التركي (أنت وطني) الذي يقارب المسلسل المصري (رأفت الهجان) وأخرى أقنعتني بمشاهدة مسلسل اميركي وصفته بالرائع The Good Wifeويناقش قضايا قانونية وعائلية وسياسية.

أقول ذلك ليفهم المنتجون ومن تحتهم أنهم إلى زوال إن لم يحسّنوا من إنتاجاتهم وإن لم يبدأو بتحضير عدة جديدة لأنتاجات تستطيع أن تقف ولو مهزوزة أمام الإنتاجات المتوفرة عبر النت. قبل قليل وبينما أتحدث مع زوجته أخذ أحد القضاة السماعة من يدها وقال لي متحمساً: اكتبي عن مسلسل (الشقيقتان) واخبريهم أن ما قدموها لنا على أنها كلية الحقوق هي ليست كلية الحقوق التي يرتادها (باسم مغنية) وتبعاً لتاريخ العمل لم يكن في ذلك الوقت إلا كلية واحدة في منطقة الصنائع في غربي بيروت.. وحين أجبته بأنهم سيعتبرون نقدي سخيفاً.. غضب وقال:

الممثلة اللبنانية سارة أبي كنعان
الممثلة اللبنانية سارة أبي كنعان

طيب اكتبي عن اللغة التي تحدث بها المحامي مع المحقق وكم أن كاتب الحوار شخصية بلهاء.. اكتبي عن التفاهات في كل العمل.. اكتبي أن مثل هذه الأخطاء هي التي تجعل العربي يهرب من مشاهدة أي عمل محلي ذاهباً باتجاه الأعمال الأجنبية خصوصاً وأن الحكاية لا تتحدث عن أيٍ من خصوصيات العربي وهي قد تكون صومالية أو هندية أو أفغانستانية.. وتابع: هذا إن كانت قصة لأني لا أجد قصة بخطوط درامية مشبعة بل تفاهات تستغبي المشاهد وتؤكد على رجعية الصناعة الدرامية التي لن تقوم لها قيامة إن استمروا على هذا المنوال.

وتابع: اكتبي أن لدينا أهم ممثلين في العالم لماذا لا يتم توظيفهم كما يجب أن تكون الدراما؟ لماذا يصرون على التصوير والكتابة وكأننا لا نزال في زمن (أبو ماحم)!

وأنا لا أعتقد أني أستطيع الاستمرار في الكتابة لأني خائفة من أن مثل هذا النوع من المقالات غير مقروء ولا يهم الغالبية الغبية من اللبنانيين ومنهم أهل الدراما. لكني أعد بأني سأتابع فقط كي أؤثر على صنّاع الدراما وسأحرض المثقفين فيها على أن يرفضوا نصوصاً هزيلة وإنتاجات رخيصة رغم معرفتي بأن الممثل اللبناني خاضع وإلا يموت من الجوع.

نضال الأحمدية Nidal Al Ahmadieh

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار