منذ سنوات عدة ونحن نعاني في الدراما اللبنانية من النصوص التافهة، التي تروّج لنفسها على أنها كوميدية، وهو أمرٌ لم تستطع برامج (السكيتشات) التلفزيونية التعويض عنه، لا بل زادت الطين بلة، من خلال ترسيخ عبارات الإبتذال والإيحاءات الجنسية “جملة ايه جملة لأ”. وكأن كتّاب تلك السيناريوهات لا يفقهون شيئاً عن فنّ الضحك أو إضحاك الناس، معتقدين أن الانسان لا يبتسم إلاّ عند سماع نكتة بذيئة أو إيحاء جنسي، ما يؤكد أن ما بين التفاهة والكوميديا شعرة إن لم نقل “وبرة”.

ماغي بو غصن والمخرج إيلي حبيب والكاتب مازن طه

لهذا، لا بدّ لي من الإشارة إلى أني لم أمسك القلم لأكتب مقالاً منذ أكثر من ثلاث سنوات، لكن (جوليا) استفزتني. نعم استفزّتني لأكتب لأني وكما الكثير الكثير من المشاهدين، لطالما انتظرنا عملاً بإنتاج محلي يستحق أن نصفه بالكوميدي. وهنا نقصد الكوميدي الحقيقي، الذي يستطيع أن يسرق الضحكة من المشاهد بكلمة أو إشارة، وأن يقلب مزاجه حتى، ضمن سياق درامي مكتوب بحرفية بالغة وذكاء شديدين. وهذا ما فعله تماماً الكاتب السوري المتميز مازن طه، الذي ورغم كونه سورياً، بدا ملماً بالكثير من تفاصيل حياتنا اللبنانية، ليخرج بسيناريو محكم، شكّل قاعدة لمسلسل يعدّ من الأنجح على الإطلاق.

جميع العناصر اكتملت من السيناريو إلى الإخراج (إيلي ف حبيب) والتصوير، وطبعاً كوكبة الممثلين المبدعين جميعهم دون استثناء، ليجعلوا من (جوليا) حالة فرح متنقلة “بتشيل الهمّ عن القلب”.

أما التحدّي الاأكبر فكان في شخصية (جوليا) التي جسّدتها بعبقرية الممثلة اللبنانية ماغي بو غصن، والتي تقوم بعمل جبّار ومجهود استثنائيين، لا يمكن أن تقدّمه إلا من تحمل صفة فنانة حقيقية، فنانة من الداخل، وكأنها تصوّر عشر مسلسلات وأكثر في مسلسل واحد. تتنقل بين الشخصيات التي تتقمصها بحرفية شديدة، وكأن كل حالة مسلسل مستقل بحدّ ذاته. ورغم بعض الإنتقادات التي طالت الحلقات الثلاث الأولى، إلا ان العمل فرض نفسه وشكّل نقلة نوعية في الدراما. فالبعض وأنا منهم لم يحب مثلاً شخصية (الراقصة) التي أدتها بو غصن في الحلقة الثالثة من المسلسل، ربما لأننا لم نكن قد استوعبنا فكرة العمل بشكل تام. لكن الشخصيات توالت، وفي كل واحدة منها كنا نلمس الحرفية الفائقة في أداء ماغي بو غصن. من (زمرد) إلى (الفتاة الرومانسية) و(البنت المسترجلة) و(الحرامية) وغيرها الكثير.

تبدو ماغي بو غصن في كل هذه الشخصيات وكأنها من كوكب آخر، فهي لا تشبه أحداً. لا تشبه سوى نفسها والجمهور الذي يتابعها. هذا الجمهور البسيط أي الناس بكل حالاتهم. كانت قريبة منهم الى حدّ التماس. لا حدود ولا حواجز، بل انسيابية تامة وذوباناً كاملاً في النص، الذي وضع إصبعاً على الكثير من الجراح والمشاكل في حياتنا اليومية. فليس عادياً مثلاً أن نرى في مسلسل تسليط الضوء على تولي بعض الأشخاص مراكز مهمة بالواسطة أو بالصدفة، كموضوع رئيسات التحرير الفاشلات اللواتي خربن المهنة، بينما الأكفاء بلا عمل. كما ليس عادياً في مسلسل أن نقول “ياما في ناس شاطرين بالتمثيل برات الكاميرا أكتر من يللي قداما”.

أليس هذا واقع حال عشرات نجمات السيليكون اللواتي اقتحمن الشاشات؟

كما ليس عادياً أن نقول في مسلسل “الصدفة مش موجودة بالحياة، الصدفة موجودة بس بالدراما”.

نعم هذا هو الواقع، لكنها ليست صدفة أبداً أن يتربع مسلسل جوليا على أعلى قِمم النجاح، هو الذي يمرّ برشاقة مطلقة على عشرات المواضيع في حياتنا وكأنه مرآة الحقيقة. تحية من القلب إلى كل فريق العمل وشكراً لكم على هذا الإبداع.

رولا نصر – بيروت

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار