أريد الليلة أن أنام كالشتاء، منهمرة على الفراش، أقطر عليه دموعاً من عيني، وعطراً من جسدي..
لا أريد لفراشي أن يظلّ رصيفاً أُلقي عليه رأساً قلقاً وأن أظل «رصيفيّة النوم»..
مستعدة لأن أستيقظ.. كل لحظة
كل لحظة لا أنام..
من جرّب النوم على فراش رصيفي؟
ها أنا أندس فوق السرير، وليس فيه..
أهبط فوقه كوردةٍ رماها الجار من سابع طابق، أتهاوى على إيقاع الريح في الخارج، وأرقص فوقه، كما تفعل حبات المطر على النوافذ.
أريد اليوم أن لا أستحضرك، وأن لا أنتظرك، وأن لا أحلُمَ بك، ولن أستشرس في الشوق إليك، سأحطّ رحالي بعيداً عنك، سأبذل ما بوسع السماء إرادة, ليصبح لي فراشٌ يتنكَّر لك.
لن أشعل سيجارة في السرير، ولن أكتب، ولن أقرأ، ولن أتقلَّب فوقه باحثة عن بقيةِ عطرِك..
سأنام كالسلطانة..
كلؤلؤة في قلب صفدة..
وإن جئت بعد منتصف الليل تقرع الباب الخلفي، لن أسمع طَرْقاتك، لأنني أمارس فعل الشتاء.. أنهمر فوق الفراش وأحدث ضجة عطر ودموع..
لن أستقبل رائحتك من خلف الباب، الآن سأشعل البخور..
للبخور رائحة أكثر طغياناً منك..
هذه الليلة سأتوقف عن الأنين والحنين لغيابك..لن أسائل الجدران الزهرية أمامي، عن أسباب رحيلك..
أنت لا أسباب تُرحِّلك..
أنت غارق فيها وفقط..
وأنا أبحث عن من ينتشلني وقد غرقت فيك.
أنت لا تجيد العوم، وكلما وجدت جسدك مقذوفاً على شاطىء، تعود إليّ.
سأجيد الليلة فن الإنهمار كالشتاء، وسأتنفس الصعداء لأخلِّص نفسي من حبك البطاش، سأدس رأسي تحت المخدة وأصرخ مطالبة بإسقاط نظام العشاق الخونة.. ليسقط كل عابث بقلب.. ليسقط كل ديكتاتور حب..
وأتذكر، وأبكي حزناً على معطفينا اللذين لم ندعهما يتهامسان في زواريب باريس. كنتُ أرتجف برداً فتقهقه وتبعدني عنك، تتفرج على ضعفي وتُردد، يا صغيرة لن أعانقكِ، ثم تقترب ويخرج من فمك ضبابٌ، تقترب من عينيّ، تلمّني بذراعيك، تدفئني قليلاً ثم ترميني بعيداً وتركض، وأركض خلفك فتنهرني حباً، وتردد مزهواً: «يا الراجفة» برداً وحباً!
كانت خاصرتي تسافر فيك، تقطع الطرقات، ندخل مطعماً لنُكمل لعبة الضحك على النادلة الباريسية التي تُشبه خادمتنا..
ذات يوم قلتُ لكَ: أخاف أن أخسرك؟
ذات يوم قلتَ لي: أخاف أن تهجريني؟
لم أهجرك..
وخسرتني.. يا خوفك الذي لم يخف هَجري..
يا خوفي الذي تجرأ وأعطاك منحة رحيل غامض..
قالت لي صديقتي البارحة إنّها التقت بك في إحدى الحانات، وقالت: إنّ عينيك كانتا تذرفان حزناً، لكنّ يديك كانتا تعبثان بشعر تلك البشعة.. هل تعبث يداك وتشتاقني عيناك!
وقالت صديقتي، إنّك أصبحت أشيب، وإنّ زندك الذي يُلاعب شعرها اسمرّ.
وقالت: إنك لم تكن تُمارس نزوة، وأنك تلمّست شعرها وشممته..
هل كنت تتلمّسُ شوق العودة إليّ؟
أحبك كثيراً.. أشتاقك ملء الساحات البهية..
لكنّي لم أعد أريدك، صرت أحبك طيفاً، لا اسماً، ولا جسداً، ولا عناقاً، ولا لمساً.
أشتاق ذاك الدفء الذي اقترفته معك، ولم أعد أتقنه..
كنتَ في عمري فكرة رجل..
كنت زنوداً مفتولة، ومعطفاً وزواريبَ، وحباً!
مرةً، لم تكن الحبيب.
سأنام بعد قليل، ولن أسمح لك أن تسهر عليّ جروحي؟

نضال الأحمدية

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار