نضال الأحمدية
نضال الأحمدية

-أنا مظلوم ساعدوني!

يبكي ويشكو وينعي، فيتلهّى عن كيفية الدفاع عن نفسه، والتفكّر في إنقاذها من التهلكة، أو ردّ الكيل بمثله.. فيتلهّى بالندب، وهو أهون الأساليب بدل عذاب الإجتهاد.

يلقى تعاطفاً في البداية، ثم لا يلبثُ أن يعزف عنه الناس الذين وإن أشفقوا عليه، فلن يردّوا له حقوقه، وإن هم ساعدوه، فلن ينتشلوه من كبوته، لأنهم ليسوا المعنيين المباشرين بجرحه، (الجرح لا يشوي إلا صاحبه) ويضيعُ الحق، ويطفح الظلم، ويندعس المظلوم وينتصر الظالم، فقط لأن المظلوم لم يعرف كيف يستردّ حقه، والشاطر هو من ينتصر.

إنه قانون الحياة الدنيا! لذا نتساءل كثيراً: أين عدالة الله على الأرض؟

ونكرّر: فلان عاش كل عمره سارقاً قاتلاً باطشاً، وثرياً يشرب من دماء الفقراء، ومات على فراش من ذهب، كيف؟ وتكثر الأمثلة المتشابهة فيهتز إيماننا بالله؟! ومرّة لم يكلّف المظلوم (من هذا النوع) نفسه أن يسائلها، ويعاقبَها على خمولها وتهاونها، وعدم الانتصار لها..

بل ضيّع وقته يشكو ويندب، يذرف الدموع متحسّراً، ولم يفكّر أن الظالم أراده هكذا، مكسوراً للأبد، بل أسير مأساته!

وبذلك يكون المظلوم قد حقّق للظالم مبتغاه، بدل الوقوف بوجهه، ومقارعته بذكاء واجتهاد وحكمة وصبر وإيمان. وبدل اللجوء للآخرين ليستشيرهم في قضيته، فيكونون معه مساندين لا مشفقين لكنه للأسف يشكووينذل فينصرفون عنه بعد حين!

لهذا ينتصر الظالم، ليس لأنه الأذكى، وليس لأن الباطل ساري المفعول على الأرض مدى الحياة، بل لأنّ الجاهل استحقّ الظلم لغبائه ولتعوده على الانكسار، وهذا ما يريده كل أعداء الحق وما أكثرهم.

أنصار الباطل، يستمتعون بالمظلوم باكياً مغفلاً..

المنطق يقول: إن الجاهل والمستسلم قدرهما أنهما ناقصا عقل وإيمان، وبالتالي ناقصا أهلية، لذا يصير الظالم بطلاً !

وما أكتبُ إلا لأني أشعر من جديد بهذا الكمّ من الظلم بحقّي ومن أعز الذين عرفتهم..

فماذا فعلتُ لأخلّص نفسي، ولأعدها بالنصر؟!

في البداية ذُهلتُ.. ثم التزمتُ صمتاً لساعتين، كي لا أقع في فخ ردة الفعل/الغضب.

وبعدها خرجتُ إلى مكان مقفر، لأ شاهد فيه وعليه الشجر والحجر، وكلاهما لا ينطق!

بكيتُ بل صرختُ ملء غضبي وحزني وشفقتي على نفسي، وبعد أن أفرغتُ جعبتي من مفاعيل القهر، عدتُ إلى رفاقي، معتمرة زينتي، ولا «مين شاف ولا مين دري».

أخبرُ لأؤكّد أنّ كلنا نحتاج إلى التنفيس عن حسرتنا، وإلا أُصِبنا بجلطة أو سكتة دماغية.. لكنّي مقتنعة منذ وعيتُ على الدنيا ألا أشكو لغير الله.

وماذا بعد؟!

أردتُ أن أنتصرَ، بل قررتُ الفوز ولو بعد حين..

ومن أراد انتصر..

الإرادة هي ثلاثة أرباع النصر المحتوم. الأمر لا يحتاج إلى أكثر من إيمان وشدّة بأس واجتهاد..

النصر صبر ساعة، والله يحبّ المجتهدين، ويعطينا ما نطلبه بحقّ، ويردّ على دعوة المظلوم فيُنصفنا، فكيف لا يرى ربي نور قلبي وهو يحترق؟ «إن الله لا يظلم مثقال ذرة»!

هل جربتم مرّة كيف وأنتم في عزّ الظلم، تقفون بين يدي الله، وتنادون مستغفرين، طالبين الرحمة منه وهي غير موجودة عند بني البشر؟

هل زرتم شبّاك بيتكم، ونظرتم بعيداً، وعيونكم دامية، وقلتم: يا الله ردّ لي حقي؟

هل هذا يكفي؟

هل يتولى الله وحده، ما كلّفنا به؟

أليس علينا أن نركض ليل نهار باحثين عن كيف نكشف وجه الظالم ونعرّيه بل ونمزقه، دون أن نكفّ عن تسليم أمرنا لله فقط، طالما أن قضاة الدنيا ومحاميها باعونا؟

لذا قال الإمام علي (رضي الله عنه): «الظالم والمظلوم إلى جهنم».

كيف يمكن أن يساوي الإمام علي بين ظالم ومظلوم؟

فلأنّ: المظلوم الذي يسكت أو يقبل بما وقع عليه، فلا يكون قبِلَ لنفسه بذلك وحسب، بل يكون قد شجّع الظالم، وجعله يتباهى ويتعود على فعلتهِ، بل وشجّعه على المضيّ في السوء.

والمظلوم الذي يسكت عن حقه، يخرب نفسه وأنفساً حوله، ويخرب مجتمعاً بأسره، ويصير عدو الإنسانية، لأنه قبِلَ طغياناً من الطغاة بل وشجعهم وأكثر من جرائمهم لأنه أفسح لهم كل الطرقات.

المظلوم الذي لا يقاتل من أجل إظهار حقه، يكون من المشاركين بطمس الحقائق.. وكلّ متستّر عن حقيقة لضعف فيه أو لتخاذل منه، هو شريك في الجريمة، دنيا وآخرة.

والمظلوم الذي يقبل بأن يسكت ويرضى بأن يكون ضحية، فإن الله لن ينتصر له يوماً، فيكون من العبيد الذين يتخاذلون ويتواكلون فقط، لكنهم لا يعقلون. وبذلك يكون نصف مؤمن. إذا آمنا بالآية الكريمة التي تقول بما معناه: «إعقل ثم توكّل».

إذاً لا يكفي أن نتوكّل، بل علينا قبل التوكّل أن نعقل، أي أن نسير على درب العقل النيّر، مناضلين مقاتلين من أجل انتزاع حقوقنا.

كانت أمي في صغري تقول لي: «يا رب تنيّمنا مظلومين غير ظالمين»!

وأقول لأمي الآن كما قلت لها دائماً: «يا رب.. احمني من قوّتي ضدّ الطيّبين، وضاعفها ضدّ الظالمين»!

يا ربي.. لا أريد أن أنام لا ظالمة ولا مظلومة!

يا ربي.. أريد كل حقوقي قبل أن أموت.

يا ربي لن أقصّر في السعي، ساعدني كي أفضحهم جميعاً وأذلهم جميعاً لأنهم لا يتوانون عن إذلالنا.

( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا.. فتمسّكم النار. تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ يدعو عليك.. وعين الله لم تنم!)

نضال الأحمدية Nidal Al Ahmadieh

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار