تأخذنا الأحداث منذ أعوام.. نتفرّج مهلّلين أو معترضين!

لكن الغالبية لم تدرك بعد أن ما يحدث لغيرنا سيحدث لنا..

هنا في لبنان، استعدَّت النفوس الساعية للتغيير، وإن كانت (التغيير) كلمة كبيرة، حسناً، لنقل (إصلاح)..

والإصلاح الذي بدأ ينادي به الشباب عبر موقع الـ Facebook يقول لا للنظام الطائفي في لبنان، ونعم لتطبيق الدستور اللبناني الذي نصّ في المادة ٩٥ (المعدّلة بالقانون الدستوري الصادر في ٩/١١/١٩٤٣ وبالقانون الدستوري الصادر في ٢١/٩/١٩٩٠): على مجلس النواب المنتخَب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية، وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمّ بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.

– مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية، وتقديمها إلى مجلسَي النوّاب والوزراء، ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.

وفي المرحلة الإنتقالية:

أ – تُمثَّل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.

ب- تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي، ويُعتمد الإختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسّسات العامة والمختلطة، وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يُعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأي الإختصاص والكفاءة.

وما نريده نحن الذين نستعدّ للنزول إلى الشارع، من إعلاميين وفنانين، فقراء وأغنياء، مثقفين وعشاق علمٍ غير متوفّر إلا لابن الزعيم، فإننا نريد تحقيق الحلم.

أما أحلامنا فصغيرة جداً، وهي لبنان دولة المؤسسات والقانون «عنجد» وليس شعاراً أخرق يستغبي الرأي العام.

لبنان ديمقراطيٌ أسوة بكل الدول التي وضعت نفسها في المرتبة الأولى.

إن كانت بعض الشعوب في بعض الدول تحتاج إلى تدريبات ليس لتفهم معنى الديمقراطية فقط بل لتتجرأ على ممارستها، فإننا شعبٌ جاهز، واعٍ، حاضرٌ قلباً وقالباً.

أذكرُ أني في إحدى المناسبات كان إلى جانبي فنان كبير، وكان يشكو من حال بلادِه المحكومة من الدكتاتوريين، وأهم ما قاله لي: تعرفين ما هي مصيبة شعبنا؟ مصيبتنا أننا نعرف ماذا تعني الديمقراطية لكننا نحتاج إلى عشرات السنوات كي نتخلّص من الرعب المزروع فينا من حق ممارسة الديمقراطية.

الفنان الكبير بكى.. أقصد أنه دمع وسارع إلى لملمةِ دموعه. ورغم مرور السنين على هذه الواقعة المفجعة التي كنت أعرفها، لكني لم أكن قد اختبرتها مع رجل كبير في القيمة والسن. رغم مرور السنين، ما زلت أفكّر بالرجل ورفاقه من كبار المثقّفين، وأتأمّل في الحال التي يعيشونها وقد رُبِطت ألستنهم، وإن فكّوها أُمِروا ببلعها حتى الموت..أفكّر بالرجل من بلد عربي وبرجال ونساءٍ من تونس كان آخر لقاء لي معهم في مهرجان وهران السينمائي العام ٢٠٠٨، هناك وبينما أجاملهم فأردِّد «كوبليه» من أغنية (بساط الريح) لفريد الأطرش (يا تونس الخضرا) كان الجميع من التونسيين الضيوف تحمرُّ عيونهم، ويؤكّدون أنّ حكاية تونس الخضرا كذبة.. ويقولون: تونس صارت صفراء، ونُكِّلَ بأرضِها وشعبها وقيمها وتاريخها.

كنت أستمعُ فيتابعون: تونس تحكمها عائلة تصادر منا كل حقوقنا وتبطش فينا، ولا نعرف إلى أين نفرُّ من بلادنا. وحين كنت أجيبهم بـِ ثوروا، كانوا يهزأون مني، وينظرون إلى بعضهم مبتسمين ساخرين، باعتبار أنها كلمة سهلة، لكن الفعل مستحيلٌ.

وما كنا نفترق قبل أن أقسم لهم يميناً معظّماً أني لن أنشر ما قالوه، خوفاً من أن تُقتَلع عيونهم.

ذلك حدث في العام ٢٠٠٨، ولم تمرّ سنتان حتى تحقّق المستحيل!

وفي مصر لي أصدقاء كثرٌ ربما أكثر من لبنان، وكانت جلساتنا تدور حول الرئيس ويهمسون وكلهم من كبار الشخصيات، وحين كنت أقول: أرى أن القاهرة ستحترق قريباً لأنني لا أرى ثورة سلمية قادرة على قهر النظام.. كانوا يُجيبون: «آه، ده في الحلم يا مدام» وكنت أصدّقهم رغم أن مصر ما قبل الثورة كانت تتحوّل إلى بُعبُع.. أذكر أني في الرحلة ما قبل الأخيرة لمصر، وكنت أتابع محاكمة هشام طلعت عدتُ إلى الفندق، فلم أجرؤ على النوم في فراشي بل خلف الباب وطوال الليل، رغم أني طلبتُ أمناً خاصاً لحمايتي، وظللتُ مرعوبة لشدّة ما رأيت من حنق وغضب واستعدادٍ لاقتراف أي جريمة في تجوالي على مدار اليوم! كنتُ أشعر باللاأمان، وقامَت الثورة خارج حسابات كل ضعفاء النفوس، وهي ثورة تُقال فيها القصائد لشعب لم نكن نعرفه. لم تكن صورة المصري قبل الثورة كصورته بعدها، المصري اليوم من خيرة الشباب العربي وزينته، صار قُبلتنا، وصرنا نشتهي أن نُقبّل جبينه..

جورجينا رزق قالت لي: ما أعظم الشباب المصري، وباستغراب تابعت:

أين كان هؤلاء الرائعين؟ تعرفين كنت أتحمّسُ للوصول إليهم والنزول إلى ميدان التحرير لأعرف كيف يصمدون، وكيف يجوعون وكيف يشعرون؟ إنهم خيرة الشباب العربي..

أعرف أنّ جورجينا والعالم كله سيقول ذلك عن اللبنانيين الذين لن يرضوا إلا بتطبيق الدستور اللبناني وكسر الـ٦ و٦ مكرّر.. والسلام على لبنان وإلى ٢٠ مليون لبناني في الدنيا..

نضال الأحمدية Nidal Al Ahmadieh

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار