بعدما فشل رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بعقد جلسة حكومية قبل ظهر الاثنين بحضور رؤساء الأجهزة الأمنية، بسبب عدم اكتمال نصاب الجلسة، انتهت جلسة الحكومة المسائية بسلسلة مقررات متعلقة بملف اللاجئين السوريين، وتدفق مئات السوريين يوميًا عبر المعابر البرية غير الشرعية، على طول الحدود اللبنانية السورية، وتحديدًا في الشمال.
وهذه الجلسة التي رشح عنها نحو 18 بندًا، أخذت طابع التوصيات المباشرة للأجهزة الأمنية والوزارات المعنية، لم تخلُ من المشاحنات على إثر الخلاف حول آلية إعادة تشكيل وفد وزاري رسمي لزيارة دمشق للبحث بالملف.
ويقول وزير المهجرين عصام شريف الدين لـ”المدن”، بأنه جرى تكليف وزير الخارجية عبد الله بو حبيب مجددًا مع ممثلين عن كل من الأمن العام وقيادة الجيش، كوفد رسمي بمهمة زيارة دمشق. لكنه لم يخف امتعاضه من تغييبه عن الوفد، بعدما سبق أن قام بزيارة تمهيدية لدمشق، مع وزراء مختصين آخرين، فطلب منه ميقاتي إعطاء فرصة 15 يومًا إضافيًا للوزير بو حبيب، فانتهت الجلسة مسجلًا اعتراضه بالمحضر.
وبعد يوم حكومي ماراتوني كان عنوانه “ملف النازحين السوريين”، أعلن مساء وزير الإعلام زياد المكاري جملة المقررات التي خرجت بها الجلسة، ويبدو أن أخذت طابعًا تصعيديًا، خصوصًا ضد موجات النزوح اليومية نحو لبنان.
وفصل البيان الحكومي توصياته على الإدارات والوزارات المعنية.
على مستوى الأجهزة الأمنية والعسكرية، طلبت الحكومة تعزير التعاون والتنسيق في ما بينها لتوحيد الجهود وتعزيز التدابير المتخذة، لاسيما من قبل أفواج الحدود البرية في الجيش والمراكز الحدودية كافة، إضافةً إلى تعزيز نقاط التفتيش على المسالك التي يستخدمها المتسللون، وتنفيذ عمليات مشتركة شاملة ومُنسقة تستهدف شبكات التهريب وإحالتهم إلى القضاء، كما دعت لإغلاق نقاط العبور غير الشرعية ومصادرة الوسائل والأموال المستخدمة من قبل المهربين، على أن يترافق ما تقدّم مع تغطية إعلامية واسعة.
كذلك دعت الحكومة الأجهزة الأمنية لتكثيف الجهد المعلوماتي والأمني والاستعلام لضبط الحدود البرية والبحرية. وطالبتهم بمنع دخول السوريين بطرق غير شرعية واتخاذ الإجراءات الفورية بحقهم لجهة إعادتهم الى بلدهم، وتكثيف اجتماعات مجالس الأمن الفرعية في المحافظات الحدودية المعنية.
ورغم ذلك، لم توضح التوصيات آلية تنفيذ الأجهزة الأمنية، في ظل أزمتها الكبيرة على مستوى التجهيزات اللوجستية والبشرية والأمنية.
على مستوى وزارة الداخلية، أوصتها الحكومة التعميم على البلديات بوجوب الإفادة الفورية عن أي تحركات وتجمعات مشبوهة تتعلق بالنازحين السوريين، لاسيما لناحية تهريبهم ضمن نطاقها. إضافة إلى إجراء مسح فوري للنازحين السوريين القاطنين في النطاق البلدي وتكوين قاعدة بيانات عنهم، ودعتها لإزالة التعديات والمخالفات كافة على البُنى التحتية (كهرباء، ماء، صرف صحي..) الموجودة في أماكن إقامة النازحين، كما والتشدد بتطبيق قانون السير. ودعتها أيضًا إلى التشدد بقمع المخالفات المتعلقة بالمحلات التي تستثمر ضمن النطاق البلدي من قبل سوريين من دون حيازة التراخيص اللازمة، والعمل على إقفالها وإحالة المخالفين للقضاء المختص.
وحثت وزارة الداخلية على الطلب من الجمعيات كافة، لاسيما الأجنبية منها، وجوب التنسيق مع الوزارات والإدارات والأجهزة العسكرية والأمنية تحت طائلة سحب العلم والخبر منها.
على مستوى وزارة العمل، أوصتها الحكومة على ضرورة التشدد باتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق المؤسسات والشركات العاملة على الأراضي اللبنانية، والمخالفة لقانون العمل والأنظمة المرعية الإجراء، وتحديداً بالجانب المتعلق بالعمالة الأجنبية.
وطالبتها بوقف جميع محاولات الالتفاف على النصوص القانونية بهدف تشريع العمالة الأجنبية، عبر إنشاء شركات تجارية وهمية وتحديدًا شركات توصية بسيطة.
ودعتها لإعداد التعديلات القانونية اللازمة، وبالتنسيق مع المديرية العامة للأمن العام، لرفع قيمة الرسوم على العمالة الأجنبية تمهيدًا لإدراجها في موازنة العام 2024 الجاري بحثها.
وعلى مستوى وزارتي الصناعة والاقتصاد، أوصتهما الحكومة بضرورة التشدد في ترتيب النتائج القانونية والمالية بحق المحال التجارية المخالفة والمؤسسات والمصانع التي تستخدم عمالاً سوريين لا يحوزون أوراق وتراخيص قانونية، وذلك تحت طائلة إقفال تلك المحال ووقف عمل المصانع وسحب تراخيصها.
وعلى مستوى وزارة العدل، أوصتها الحكومة الطلب من النيابات العامة التشدد في الإجراءات القانونية المتعلقة بالضالعين في تهريب الأشخاص والداخلين إلى لبنان بطرق غير مشروعة. إضافة إلى الطلب من السلطات القضائية الإسراع في المحاكمات التي تخفف من مشكلة الاكتظاظ في السجون، واتخاذ الإجراءات المناسبة التي من شأنها ترحيل المحكومين السوريين وابعادهم مع مراعاة الاتفاقات الدولية والقوانين ذات الصلة.
أما على مستوى وزارتي الخارجية والشؤون الاجتماعية، فأوصتهما الحكومة بالطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR تكثيف التعاون مع الوزارات والأجهزة الأمنية والعسكرية، في سبيل توفير الظروف الملائمة والفورية للعودة الآمنة للنازحين السوريين. إضافة إلى تكثيف الجهد الدبلوماسي لشرح خطورة الملف على لبنان والأمن الإقليمي والأوروبي، لاسيما في ضوء ضعف وتراجع الإمكانيات التي تسمح بضبط عمليات التهريب من خلال الأراضي والمياه الاقليمية اللبنانية، و”التأكيد على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الظروف المعيشية للشعب السوري لتشجيعه على البقاء في أرضه وتشجيع النازحين على العودة”.
وكان للوسائل الإعلامية حصة من توصيات الحكومية، والتي أخذت طابعًا توجيهيًا في كيفية التعاطي مع قضية موجات النزوح. حيث أوصت وزارة الإعلام إطلاق حملات توعية من مخاطر النزوح على المجتمعين السوري واللبناني وحث المواطنين على التعاون مع الأجهزة الأمنية والعسكرية للقبض على عصابات التهريب على الحدود، “مع التوضيح بأن الإجراءات المعروضة لا تشكل تدابير عنصرية بحق الأشقاء السوريين”.
على مستوى آخر، طالبت الحكومة كلّ الإدارات والوزارات المعنية رفع تقارير دورية حول تنفيذ البنود المطلوبة منها ليصار إلى تقييمها بشكل دوري من قبل مجلس الوزراء.
كما أقرت الحكومة تعديل قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 13/6/2023، بشقه المتعلق بتشكيل الوفد الوزاري. وكلف التعديل الجديد وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب رئاسة وفد على أن يضم الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع والمدير العام للأمن العام. على أن “تُعرض نتائج أعمال اللجنة على مجلس الوزراء خلال مهلة أقصاها نهاية شهر أيلول الجاري لإجراء المقتضى بشأنها”.
وجاءت توصيات هذه الجلسة بعد فقدان نصاب جلسة الصباح التي غاب عنها وزراء التيار الوطني الحر مع وزراء الاقتصاد والبيئة والزراعة والسياحة. وتم الاستعاضة عنها بجلسة تشاورية مع عدد من الوزراء، إلى جانب قائد الجيش جوزيف عون والمدير العام للأمن العام بالإنابة الياس البيسري.
وتشير المعلومات إلى أن هذا الاجتماع المصغر، الأمني-الحكومي، تداول رقما حول دخول نحو 15 ألف نازح لبنان شهريًا. وواقع الحال، يرى كثيرون أن مقررات الحكومة ستبقى موضع اختبار دقيق وصعب في ظل الموقف الدولي الرافض لآلية مقاربة لبنان لهذا الملف، وفي ظل غياب الإرادة السورية الفعلية لدى النظام السوري باستقبال السوريين اللاجئين والنازحين من دون ثمن سياسي، لبنانيًا واقليميًا.