الدراما السورية الرمضانية هذا العام 2021، لم تحقق أي قفزة إيجابية، إن على مستوى الإنتاج أو النصوص أو الإخراج.
هذا حدث للأسف رغم المحاولات الجادة، من مخرجين سوريين, ليعيدوا خلق الواقع الدرامي والبحث عن خطط مختلفة، لتجاوز عقبات تمويلية أو مادية، سببها سياسة المحطات العربية، التي كانت منذ زمن الداعم الأساسي للصناعة التلفزيونية السورية هذه الصناعة التي تمتلك مقومات مهمة، من مدراء تصوير إلى ممثلين ومخرجين وغيرهم.
غياب من يمتلكون ألية تفكير فنية بعد الأزمة، وذهاب النجوم باتجاه الدراما العربية، أفقد الدراما السورية الكثير, وحولها إلى دراما تجارية بأيدي التجار, الذين لا يفقهون أدنى مقومات المهنة، وجعل من الدراما الإجتماعية التي تميزت بها سورية، دراما سطحية.
نقطة الضعف الأكبر تكمن, بعدم تطور الألية الإخراجية، لتتناسب مع التقدم التقني والبصري، وبعدم امتلاك معظم المخرجين، لمشروع حقيقي يجعل يميزه ببصمة مختلفة عن غيره، كمشروع العبقري الراحل حاتم علي، وبصمته في الدراما.
هذه المشكلات لا يُسامح عليها أصحاب المشاريع الدرامية التي قُدمت في رمضان, خاصة وأن عدد الأعمال جيدة مقارنة بالسنوات الماضية على مستوى الإنتاج.
النصوص التي قدمت تفتقد للحبكة، وللعنصر التشويقي، ولعدم التصيدد الدرامي، هذا رغم من براعة الممثلين، الذي يتميز به الممثلون السوريون عن كافة ممثلي العرب.
إن تحدثنا عن أبرز الأعمال التي حققت أصداءً جيدة، نرى مسلسل حارة القبة، الذي رسم لوحة شامية بقالب إجتماعي، ليحقق معادلة ترضي المحطات من جهة، التي لا تطلب غير أعمال بيئة شامية، ومن جهة أخرى ترضي الجمهور السوري في المهجر, الذي يتلهف لدراما الواقع، وهذا ذكاء فني بإدارة مخرجة محترفة مثل رشا شربتجي، التي شكلت مع سلافة معمار ثنائية ناجحة بأعمال مختلفة، وكانت التجربة علامة فارقة في مسيرتهم الفنية, لأن المسلسل مكتوب بحرفية وبإحساس مرهف، لكنه يفتقد لعنصر الحركة وخاصة أول عشرة حلقات، التي كانت ذات إيقاع بطيئ، وهذا لم يعد يشبع المشاهد المدمن على دراما المنصات المشوقة.
أداء سلافة معمار التي تعمل بحرفية على الشخصيات التي تلعبها, رفع من مستوى العمل وجعله يتصدر ويكاد يكون من أهم الأعمال السورية هذا العام، ولا أعلم لماذا لا يختصرون الجزئين بجزء واحد محكم وتنتهي الحكاية بعمل متكامل جميل.
والعمل السوري الآخر هو على صفيح ساخن، الذي استطاع أن يحجز له مكانة مميزة عند الجمهور بسبب فرط واقعيته وفكرة النص عمومًا، التي جذبت المشاهدين، لكن كانت مخيبة للأمال بعد مضي الحلقات الأولى وكأن المخرج والكاتب يسرعون بالعمل ليلحقوا العرض في رمضان، هذا أفقده الكثيير, أما براعة وأداء سلوم حداد وبعض الممثليين الجدد أنقذ الموقف قليلاً, لهذا يعتبر تجربة مختلفة تستحق التقدير.
مسلسل شارع شيكاغو، يعتبر تجربة جديدة ومختلفة في الدراما السورية, ونص محكم ومشوق، يظهر احتراف مخرجه الذي دائمًا يقدم جديدًا، ويحمل رسالة برؤيته تعبر عنه، ويفكر خارج المألوف، بالرغم من الإنتقادات التي تطاولت العمل، إلا أنه من أهم الأعمال في السنين الأخيرة.
باقي الأعمال لم تحقق أي صدى ولم تترك أي أثر، وهذا يعود لمشكلة حقيقية تعاني منها الدراما المصرية أيضًا وهي مشكلة النص.
لكن عندما ننظر إلى واقع الدراما الرمضانية من بعيد، نرى فقط عملاً واحداً أمامنا مع أنه لم يسابق في رمضان وكأنه كان لعنة على كل الإنتاج الدرامي السوري, وهو مسلسل السنة قيد مجهول, كان فيه البطل عبد المنعم عمايري, أبكانا مع كل مشهد يظهر فيه, وكأنه يخاطب أرواحنا، جنونه في هذا العمل القصير بعد كل هذا التاريخ الذي صنعه, جعل منه الأول دون مبالغة في الدراما السورية، رفع سقف المنافسة حتى أصبحت الأصعب.
المخرج السدير مسعود, جعل من المخرجين السوريين يعيدون حساباتهم، ويلتفتون ليبحثوا عن جديد في ألية العمل، وقال لهم برؤيته الخاصة، أن تطور الدراما السورية غير محكوم بالعودة إلى الماضي، لأن الماضي مضى، وكان له أربابه وزمنه. التطور محكوم بالرؤية المستقبلية، والتطلع إلى الأمام، لإعادة خلق حقبة فنية جديدة، تجعل من الدراما السورية الأولى عربيًا.
لا بد من التفكير بألية عمل جديدة، والتطلع إلى نصوص فنية، يقوم عليها مثقفون ومتمرسون وليس مراهقين، وإعطاء فرص لمخرجين جدد، ليقوموا بالتجربة، وكسر روتين العمل التقليدي الذي أنهكته السنين.
رمضان هذا العام في سوريا كان قيد مجهول, لذلك لابد من البحث عن تعريف.
كنان شقير – سوريا