كتبت صحيفة “الأخبار”:
هناك الكثير من العوامل التي تؤدي دوراً أساسياً في تسارع انهيار الليرة، التي كلما انحدرت قيمتها سحبت معها الاقتصاد والطبقتين الوسطى والفقيرة نحو الهاوية. هي هاوية بلا قعر، تماماً كما هو سعر الليرة التي فقدت لغاية الآن أكثر نحو 85% من قيمتها مقابل ارتفاع سعر الدولار 6.6 أضعاف من 1507.5 ليرات وسطياً، إلى 10 آلاف ليرة. بعض الشركات سعّرت الدولار بقيمة 13 ألف ليرة على أساس تطوّرات سلبية إضافية في سعر الصرف مستقبلاً، وبعضهم الآخر فضّل الإغلاق للحفاظ على قيمة المخزون، حتى لا يقع في معضلة التسعير ويخسر زبائنه.
عملياً، لا أحد لديه فكرة عن مسار سعر صرف الليرة ومصيره مقابل الدولار، إلا أنه في ظل ثبات المداخيل كلما ارتفع سعر الدولار وانخفضت قيمة الليرة ضاقت سلّة الاستهلاك. لكن ما الذي يدفع سعر الصرف إلى الانهيار؟ ثمة عوامل كثيرة تؤدي دوراً أساسياً في تسعير الليرة مقابل الدولار، إلا أنه في ظل الأزمة المالية والنقدية والمصرفية الحالية، يمكن التركيز على عامل أساسي: التوقعات. الكل ينشط تبعاً للتوقعات. الشركات التجارية والصناعية تدير عملياتها على أساس سعر الصرف التقديري للأيام المقبلة، والأفراد يعملون بالطريقة نفسها. فجأة، شعر الجميع بأنهم منخرطون، إلزامياً، في المضاربة على الليرة. إنها طقوس الانهيار. لا يمكن الهرب منها. من يحاول يُسحق مباشرة، رغم أن الانخراط في المضاربة غير مضمون”.
وتابعت الصحيفة: “قبل بضعة أسابيع، كان سعر الدولار في مصرف لبنان يبلغ 3000 ليرة، ثم ارتفع إلى 3850 ليرة. جرى إطفاء آلاف الحسابات من خلال تعاميم مصرف لبنان التي تتيح للمصارف تسديد ودائع الدولار بالليرة على سعر 3000 أو 3850 ليرة. الفرق بين السعر النظامي (1507.5 ليرات وسطياً) وبين السعر المحدّد في التعاميم، يموّله مصرف لبنان عبر طباعة النقود. وبدلاً من أن تكون هذه الطباعة آلية تعويض الطلب على العملة بسبب تضخّم الأسعار، أصبحت آلية لإطفاء الودائع بالدولار في ميزانيتي مصرف لبنان والمصارف. فمصرف لبنان الذي يحمل في ميزانيته التزامات للمصارف بقيمة 89 مليار دولار، هي أيضاً تحملها تجاه المودعين”.
وحذّرت الصحيفة من أنّ آلية المركزي التي تقضي بطباعة الأوراق النقدية لإطفاء الخسائر تتضمن إعادة 16 مليار دولار للمودعين بدلاً من 80 مليار دولار، وبالليرة اللبنانية، كاتبةً: “لكن هذه الآلية ستنعكس سلباً على سعر صرف الليرة وتسهم في انهياره وسقوطه السريع. فإذا أخذنا في الاعتبار أن عناصر معادلة تسارع انهيار الليرة ثابتة باستثناء كمية النقد في التداول، فإن معادلة تحويل الـ 16 مليار دولار إلى ليرات على أساس سعر 3850 ليرة ستؤدي إلى انخفاض الليرة مقابل الدولار من 8700 ليرة إلى 40 ألف ليرة بعد سبع سنوات. لا تأخذ هذه المعادلة في الاعتبار أي مضاعفات ناتجة من تطوّر سعر الصرف الذي يعدّ دينامية متفاعلة بحدّ ذاته، ولا تأخذ أيضاً أي تغيرات سلبية قد تنجم عن ضعف التدفقات الخارجية، ولا عن مفاعيل الحصار الأميركي، ولا التأثير المباشر على سعر الصرف الذي ستدفع على أساسه قيمة الوديعة… ثمة تقديرات رسمية أجريت بين فريق الحكومة وصندوق النقد الدولي تشير إلى أن سعر الصرف قد يصل إلى 130 ألف ليرة خلال الفترة المستهدفة إذا تم الإصرار على اتباع آلية طباعة النقود لإطفاء الخسائر!”.