حُلم كل فتاة أن تصبح أمها..
كنت صغيرة وأحاول التشبه بها..
شخصيتها المميزة، تفاصيلها النادرة، أناقتها الملفتة، (أَكسسوارتها) الكثيرة، صوتُها العالي..
وقلم الحمرة المتوفر دائماً معها..
وحذاؤها ذو الكعب العالي بالضرورة..
أخذت منها الكثير.. ومنه ما لم آخذه..
صوتي ظل خفيضًا.. وأحببته..
وقد أميل إلى البساطة أكثر..
قلم حمرة الشفاه غالباً ما كنتُ ولازلتُ أنساه، ولا أضعه في الأيام العادية رغم اصرارها الشديد ليبقى في حقيبتي وأكرر العملية كلما احتاج الأمر.. ولكن هيهات..
وكذلك الحذاء ذو الكعب العالي فلست من متعوديه، إلا عندما يلزم الأمر والعمل..
كنت في طفولتي استعير أحذيتها ذات الكعب العالي كحال معظم الفتيات الصغيرات على ما اعتقد، وأمشي في المنزل وأقع كثيراً، فيضحكون وتضحك عليّ، وتقول لي:
(استني شوي لاحقة تكبري)
كبرت قليلاً، وصرت أقرأ المجلات والصحف كل صباح مثلها لأعرف ما يمكنني معرفته، وأتابع قنوات التلفزيون المحلية مهما كانت أو مهما قلّلوا من شأنها..
وكبرت قليلاً، وبدأنا نتبادل الملابس والأحذية وأفرح وأحس بالفخر لذلك، فأنا كبيرة كأمي، وربما جميلة مثلها.. فهذا فستان أمي، وهذا حذاؤها، وعقدها وخاتمها.
وهذا دفترها وقلمها.. وملقط حاجبيها.. وهذا الراديو الصغير (الترانزستور) بجانبي مثلها مهما تطورت التكنولوجيا، وهذه حقيبتي كحقيبتها تماماً التي تكبر ويثقل وزنها طردًا
مع العمر..
وكبرت.. يا أمي..
كبرت كثيراً، وفجأة، في يوم كهذا اليوم، كان يوم الرحيل..
وبتُّ أشبهها أكثر.. هكذا تبدو صوري، وهكذا لاحظ كثيرون.. ولا يزال فرحي طفولياً كلما شبهوني بها..
لكن.. بات هناك شبه آخر لم أحسبه..
ثمة في العين هَمٌّ.. لم أره عندما كنت صغيرة. هو هَمُ الأم الذي تخفيه عن أولادها..
فليست ترضى لهم شقاء مهما كان..
هَمُّ حياة، يوم وغد، وهَمُّ أهل راحلين..
الصحف لم تعد صحفاً.. أوراقها قلّت..
ورائحة الورق اختفت.. والقلم أصبح (كيبورد)
وأحذيتها ذات الكعب العالي.. لم تعد ترتديها.. وغيّرتها.. لتلامس قدماها الأرض وتشعر بها أكثر..
ثقل الحياة لا يقوى عليه هذا الكعب المصنّع ولو كان من حديد..
وباتت.. أحذيتنا متشابهة.. شعرت أني الآن أصبحت أمي..
سنوات أربع.. يا أمي..
ولا أزال أفيق من نومي غير مصدقة أنه لم يعد لدي أم.. وليس أيّ أم؟
#سلاف_فواخرجي
#6تموز_يوليو
سلاف_فواخرجي هكذا رثت أمها الشاعرة #ابتسام_أديب