ليلة القدر، أحد ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، وأكثرها تميزا، جاء ذكرها في القرآن الكريم وسيرة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، لذلك كسبت أهمية وخصوصية كبيرة عند المسلمين، فالقرآن نزل في هذه الليلة، ونجد سورة القدر تكلمت عنها وعن منافعها وصفاتها، لعد بسن الله الرحمن الرخيم: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ وفيها تتنزل الملائكة، وتكون الليلة سلامٌ حتى مطلع الفجر، سورة القدر: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، وثبت في السنة النبوية الحث على تحرّي هذه الليلة في العشر الأواخر، خصوصا في الليالي الفردية منها.
لقد ذكر العلماء عدة أسماء أسباب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم منها:
- سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما نقول: فلان ذو قدر عظيم أي: ذو شرف.
- أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عز وجل وبيان إتقان صنعه وخلقه .
كما ذكرت منافع ليلة القدر في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، من بينها قوله: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) صدق رسول الله.
روي أيضا عن أم المؤمنين، عائشة ابنة أبي بكر، قالت: (يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال : قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).
أما علامات ليلة القدر، فذكرها الشيخ ابن عثيمين، منها علامات مقارنة وعلامات لاحقة. فأما العلامات المقارنة فذكر منها:
- قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة.
- طمأنينة القلب.
- انشراح الصدر من المسلم.
- الرياح تكون فيها ساكنة.
- وأما العلامات اللاحقة فذكر منها أن الشمس تطلع في صبيحتها من غير شعاع.
لم يذكر القرأن أو الشريعة النبوية، متى تأتي ليلة القدر، وتكلم بعض العلماء عن الحكمة في إخفائها، أولها حصول الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها.
وقال الفخر الرازي في تفسيره، التفسير الكبير: (أنه تعالى أخفى هذه الليلة لوجوه:
أحدها: أنه تعالى أخفاها كما أخفى سائر الأشياء، فإنه أخفى رضاه في الطاعات حتى يرغبوا في الكل، وأخفى غضبه في المعاصي ليحترزوا عن الكل، وأخفى وليَّه فيما بين الناس حتى يعظموا الكل، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كل الدعوات، وأخفى الاسم الأعظم ليعظموا كل الأسماء، وأخفى الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكل، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلف على جميع أقسام التوبة، وأخفى وقت الموت ليخاف المكلف… فكذا أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان.
وثانيها: كأنه تعالى يقول: لو عينت ليلة القدر وأنا أعلم بتجاسركم على المعصية، فربما دعتك الشهوة في تلك الليلة إلى المعصية فوقعت في الذنب، فكانت معصيتك مع علمك أشد من معصيتك لا مع علمك؛ فلهذا السبب أخفيتها عليك.
سليمان البرناوي – الجزائر