شاهدتُ أمس برنامج (السيرة) الذي تقدّمه الإعلامية المصرية الوقورة والأكثر اجتهادًا بين منافساتها، وفاء_الكيلاني بحلقةٍ تلقّن العديد من الدروس والعبر، كانت سيّدتها نجمة الجماهير نادية_الجندي.
تعبنا سابقًا ونحنُ نتغزّل بأناقة وشياكة نادية وحفاظها على روحها الشابة وجسدها الذي ضحت لأجله لعقودٍ من الزمن، فمنحها ما تستحقُ ووقف جانبها متحديًا كل الظروف الصحية والنفسيّة المُرهقة.
إقرأ: الكبيرة نادية الجندي سحرتنا: (رقصتْ وغنّتْ وجمعتْ الجماهير)!
هنا تلفتني جملة قالتها بقيتُ أرددها حتّى مطلع الفجر: (نادية الجندي أتعبت نادية الجندي جدًا).
عبارة بسيطة بلفظها، تحمل من العمق ما يمكن تحليله لصفحات.
كلّ ما نقدّمه من نجاحات مُبهرة وعطاءات تدهش من يلاحظها، وربما يتمنّاها بأي وسيلةٍ ما، يسرق منّا الكثير، من خصوصياتنا ولحظات عمرنا وذكرياتنا وأحيانًا ينهبنا عمرًا بأكمله بكلّ ما يحتويه من أفراد وأماكن وحريات.
ما أحد وصل لمجد نادية، التي تصدّرت شباك التذاكر في السينما المصرية لأكثر من عقديْن، ولا نجمة استطاعت مقارعة أرقامها القياسيّة المُسجّلة في أوراق وزارة الثقافة المصرية، كأكثر نجمات العرب تفوقًّا بمعيار مبيعات ونسب مشاهدات أفلامها.
إقرأ: نادية الجندي منذ أربعين عامًا كيف كانت! – صورة
ما أحد نال جوائزها، ولا حظي بتكريماتها، ولا داس مثلها السجادات الحمراء في كلّ أنحاء الشرق.
ما أحد صُفّق له، ولا رأيناه بأكثر من نظرة إعجاب في عيون الجماهير، كما حدث مع نجمة الجماهير.
لكنّ لكلّ تفصيل من هذه (السيرة) ضريبة دفعتها.
لكلّ تفصيل من هذه (الرحلة)، العديد من الحروب، واجهتها، الكثير من المؤامرات، رُكّبت ضدها بهدف إسقاطها.
تقول نادية: (لم يتعرضْ أحد لما تعرّضت له في هذا الوسط).
أي أنها الأكثر محاربةً، الأكثر عذابًا.
لكنّها الأكثر نجاحًا وتفاؤلًا، وأكثر الوجوه بشاشةً.
تبرّر نجمة الجماهير: (أعيش كلّ هذه التناقضات).
والأهم تتابع: (يُخدع الجمهور بما يراه من الخارج، فالنجاح ليس عملية بسيطة تُحقّق بين ليلة وضحاها).
كم مرة بكتْ، كم مرة عانتْ، كم مرة خسرتْ..
لم تقلْ، بل اكتفتْ بذكر ما حصدتْ، وبما منحها إياه قدرها بعدما اختارت الصمود لا الاستسلام، الكفاح لا الخنوع، المواجهة لا الاعتكاف.
(نادية الجندي الانسانة تعبتْ)، لكنّها تسرد: (الفن كل حياتي).
لا ندم هنا، بل اعتزاز، رغم إرهاق الذات.
بين كلّ ما تسلكه نجمات اليوم من طرقٍ سهلة الوصول، بمرافق غير شرعية، سلكت نادية طريقها المتوعّر بصعوبةٍ، ووصلت قبل أن تنظر إليه مبتسمةً بثقةٍ وكتفيْن مرفوعيْن، رغم كلّ الآلام والجروح.
(سيرة) نادية سيرة كلّ كبير، كلّ إنسان لم يرضَ أن يمضي حياته كمن سبقه أو جاوره عمرًا، وبين مفاضلة الحلم ومخاطره والحياة الفارغة وسذاجتها، أطلق رصاصته على كلّ ما يريحه، وسلكَ الدرب الأشقّ!
عبدالله بعلبكي – بيروت