ينال مسلسل (أسود) نجاحًا ملحوظًا، ويحقق نسبة مشاهدة جيدة رغم تضارب توقيت عرضه مع (الهيبة) المشترك، والذي بدأ يتراجع بشكل ملحوظ أمام (خمسة ونص)، بعدما تصدر بالأيام الأولى من رمضان.
(أسود) عمل لبناني من الجلدة إلى الجلدة، نص تتوفر به كافة معايير النجاح، يعيبه ضعف المعالجة الدرامية، والحوار البعيد عنا والذي لا يشبه أحاديثنا، والذي يتضمن مفردات ومصطلحات لا نقولها بجلساتنا الاجتماعية وحواراتنا اليومية، تلك مشكلة تبقى محورية في الدراما اللبنانية، ونستثني كارين رزق الله التي وحدها من تجتهد لتنقل واقعنا الحقيقي للشاشة.
ما ينقذ العمل أداء الأبطال الثلاث الموفق، نرى باسم مغنية المحترف يلعب دور خاطفٍ يعاني من عدة اضطرابات نفسية، شخصية تظلمها بحكمك المسبق عليها بالمشاهد الأولى وتتعاطف معها لاحقًا نظرًا لطيبتها وقلبها المحب والظلم الذي تعرضت له، وداليدا خليل التي تقدم أداءً مقنعًا ولافتًا، وتلعب دور ابنة العائلة الأرستقراطية التي تُغدر من والدتها وخطيبها، وتُخطف منه، ويعاملها بلطفٍ وحنيةٍ لم تُعامل بهما سابقًا، وبعاطفة وقادة تجعلها تغرم به.
أما المبدعة ورد الخال فتشكل العنصر الأهم بنجاحه دون شك، تلعب دور الوالدة الشريرة المجردة من الأحاسيس والمشاعر، تتألق بأدائها، ترتدي شخصيتها وتسقط صفاتها عليها، لتجعلنا نصدق ما تفعله، فنكرهها ونمتعض من تصرفاتها.
تسير وتنظر بحقد وتعالٍ، لا تبتسم ولا تحزن وتصدر تعابير صارمة وجاحدة وناقمة، تنسينا لوهلة رقتها وطيبتها اللتين نلحظهما دائمًا بورد الإنسانة، وكأننا أمام ممثلة لا نعرفها!
تسعى إلى الحظي بأملاك زوجها، تخون ابنتها مع خطيبها، شخصية متسلقة وتهوى النفوذ، شخصية مكتوبة بطريقة يصعب لعبها على قليلات الموهبة، لكن ليس عليها لأننا اعتدنا أن تفاجئنا بمهاراتها الرائعة، ولم ننسَ بعد تألقها بمسلسل (ثورة الفلاحين)، ورفعها لمستوى المنافسة، لتصبح حديث الناس.
ورد الجميلة استغلت أناقتها وجاذبيتها لتكسب قلوب رجال (أسود)، ثم لتعاملهم كعبيد عندها أو أدوات ضعيفة تستسلم أمام اغرائها لتحقق أهدافها، تتلاعب بنبرتها وملامحها، تنسى كيانها وتدخل إلى أعماق شخصيتها، جدية وكأنها كل مرة أمام امتحان ينجحها أو يفشلها كممثلة… لذا لم يسبق لها أن فشلت، واليوم تضيف سجل نجاحاتها.
الشخصية الجامدة الخالية من المشاعر والانفعالات الداخلية، من أصعب الأدوار التي يمكن لأي أحد أن يؤديها، سألنا بعد كل مشهد تدهشنا عبره: (كيف لهذه الإنسانة الحساسة والمرهفة أن تلعب دورًا لا يمتلك ذرة إحساس؟!) ورد لا تحب ولا تضحك ولا تبتسم ولا تبكي، عقل يفكر ويخطط بخبثٍ…
تميزها أعاد إلينا دور الشر المطلق الذي أتقنته بمسلسل (ينابيع) منذ سنوات، آنذاك فاجأت النقاد والمشاهدين بجمال أدائها، وما زالت حتى اللحظة تفاجئنا بكل عمل وكل دور تلعبه.
ورد ممثلة معجونة بالموهبة، عملة ذهبية نادرة وسط عدة متسلقات ومتطفلات فارغات بمضامينهن على مهنة التمثيل في لبنان، وردٌ نموذجي على كل من يدعي إننا لم نصدر يومًا ممثلًا محترفًا على مستوى السوري والمصري!
عبدالله بعلبكي – بيروت