يستمر سعر الذهب (XAU/USD) في مواجهة تحديات كبيرة بين 2750 و 2720 دولار، إذ يحاول الارتداد يوميًا ويبقى دون منطقة العرض 2748 و2750 دولارًا أمريكيًا، وذلك في ظل تطورات متعددة تؤثر على حركة الأسعار. وفي تعاملات اليوم الاثنين، كان الطلب على الملاذ الآمن نتيجة للتوترات المستمرة في الشرق الأوسط والقلق من الانتخابات الأمريكية عاملاً محفزًا لارتفاع السعر. تزامن ذلك مع تراجع متواضع للدولار الأمريكي من أعلى مستوياته منذ يوليو الماضي، وهو ما أعطى بعض الدعم للذهب، على الرغم من أن العديد من العوامل الأخرى تشير إلى إمكانية استمرار الضغط على الأسعار.
اقرأ: شام الذهبي: أصالة خضعت لتدمير وليس تجميل!
كما تظهر التوقعات أن الضغوط الناجمة عن احتمالات خفض أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي تظل قائمة، مما يزيد من القلق في السوق. بالإضافة إلى ذلك، تعزز المخاوف بشأن الإنفاق بالعجز بعد الانتخابات الأمريكية، مما يرفع عائدات سندات الخزانة الأمريكية. وهذه العوامل برأيي، بالترافق مع نبرة المخاطرة الإيجابية بشكل عام، تبقي سعر الذهب غير مدعوم بشكل كافٍ. كما يتردد المتداولون أيضًا قبل صدور بيانات الاقتصاد الكلي الأمريكية الرئيسية هذا الأسبوع، مثل قراءة الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث ومؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي الشخصي (PCE) وتقرير الوظائف غير الزراعية (NFP)، مما يزيد من حالة عدم اليقين في السوق.
اقرأ: الذهب يتداول بحذر اليوم – تحليل خاص
وفي ملخص يومي لمحركات السوق، يبدو لي أن سعر الذهب يفتقر إلى الإقناع الصعودي. فقد واصل الدولار الأمريكي مكاسبه القوية التي سجلها مؤخرًا، مرتفعًا إلى أعلى مستوى له منذ 30 يوليو وسط توقعات سياسة أقل تشدداً من بنك الاحتياطي الفيدرالي. وقد تم تسعير احتمالية خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس تقريبًا في اجتماع السياسة المقبل في نوفمبر، وهو ما يعكس قلق السوق من تأثير ذلك على أسعار الذهب.
أيضاً من وجهة نظري، العوامل السياسية تلعب دورًا حاسمًا في توجيه حركة أسعار الذهب. حيث تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى منافسة متقاربة بين نائبة الرئيس كامالا هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، مما يزيد من المخاوف بشأن الإنفاق بالعجز بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر. وتساهم هذه المخاوف في تعزيز حالة عدم اليقين في السوق، حيث يستمر المستثمرون في مراقبة الوضع السياسي بحذر.
اقرأ: الذهب يحصد المكاسب التاريخية – تحليل خاص
فالبيانات الاقتصادية الأخيرة من الولايات المتحدة تدعم أيضًا قوة الدولار، حيث انخفضت طلبيات السلع المعمرة بنسبة 0.8% في سبتمبر، وهي أقل من الانخفاض المتوقع بنسبة 1%. في الوقت نفسه، ارتفعت الطلبات الجديدة باستثناء النقل بنسبة 0.4%. علاوة على ذلك، سجل مؤشر ثقة المستهلك لجامعة ميشيغان أعلى مستوى له في ستة أشهر، مما يزيد برأيي من قوة الدولار ويزيد من الضغط على أسعار الذهب. أما العائد على سندات الحكومة الأمريكية لأجل 10 سنوات يبقى ثابتًا بالقرب من أعلى مستوى له في ثلاثة أشهر، مما يعكس الوضع المتوازن الحالي في الأسواق.
كما أظهرت التطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط تأثيرًا كبيرًا على أسعار الذهب. حيث أشارت الأخبار إلى أن أطراف النزاع لن ترد على الضربات الأخيرة إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط.
اقرأ: الذهب يرتفع وسط تكهنات بشأن السياسة النقدية الأمريكية – تحليل خاص
ومن وجهة نظري، هذا النوع من التوترات يمكن أن يزيد من الطلب على الذهب كملاذ آمن، ولكنه يبقى مع ذلك تحت ضغوط أخرى. إذ تشير البيانات إلى تراجع الطلب على الذهب من أكبر مستهلك له في العالم، الصين، في الأرباع الثلاثة الأولى من العام. فقد انخفض إجمالي الاستهلاك بنسبة 11.18%، مع تراجع استهلاك المجوهرات بنسبة 27.53%، وهو ما يعتبر مؤشراً سلبياً للذهب.
ومع ذلك، يجب النظر إلى الارتفاع في الطلب على سبائك وعملات الذهب، الذي شهد زيادة بنسبة 27.14%، كإشارة محتملة على أن بعض المستثمرين لا يزالون يجدون جاذبية في المعدن الثمين رغم التحديات الحالية. وبرأيي كما هو الحال في الأسواق أن ارتفاع أسعار الذهب المبالغ به كان السبب الرئيسي وراء تراجع الطلب، مما يعكس الصعوبات التي يواجهها السوق في جذب مستثمرين جدد.
اقرأ: التهديد الصيني وتأثيره على الذهب
ومن المهم أيضًا ملاحظة أن التداولات في بورصة شنغهاي للذهب شهدت زيادة بنسبة 47.49%، مما يدل على أن هناك اهتمامًا متزايدًا من المتداولين، ولكن هل سيكون هذا كافيًا لدعم الأسعار في المستقبل القريب؟ برأيي مع عدم استقرار الموقف في الشرق الأوسط، وزيادة التوترات السياسية، يبقى مستقبل أسعار الذهب محاطًا بالغموض.
وبالمجمل، يمكن القول إن أسعار الذهب تظل تحت ضغط مختلط. إذ تؤثر المخاوف الجيوسياسية والموقف الاقتصادي العالمي على الطلب، بينما يدفع تراجع الدولار الأمريكي والأسواق المتراجعة بعض المتداولين إلى اتخاذ مواقف شرائية. ومن الواضح أن حالة عدم اليقين السائدة قد تستمر لفترة، مما قد يدفع أسعار الذهب إلى التحرك في نطاق ضيق قبل صدور البيانات الاقتصادية الرئيسية. وبرأيي تتطلب الفترة المقبلة مراقبة دقيقة من المستثمرين، حيث يمكن أن تؤثر التطورات السياسية والاقتصادية بشكل كبير على أسعار الذهب، لذا يجب الاستعداد للتكيف مع أي تغيرات سريعة.
تحليل: رانيا جول