تقول الآية ٢٩ من إنجيل لوقا: (من ضربك على خدك، فاعرض له الآخر أيضًا، ومن أخذ رداءَك فلا تمنعه ثوبك أيضًا)، وتتحدّث عن مدى التسامح في تعاليم السيد المسيح الذي أتى ليمحي خطيئة البشر ويسحق الشيطان الذي يمثل وجه الشر بالمعادلة الإنسانية.
أما الآية من إنجيل متى فتقول: (أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشرير، بل من لطمك على خدك الأيمن ، فأعرض له الآخر. ومن أراد أن يحاكمك ليأخذ قميصك فاترك له رداءك أيضاً ومن سخرك أن تسير معه ميلاً واحداً فسر معه ميلين).
اليوم يستذكر العالم صلب المسيح على خشبة، رمزت لعظمة تضحيته، وتُعرف المناسبة بال(جمعة العظيمة) أو جمعة الآلام، وتصادف ذكرى اليوم الذي أعتقل وعُذب وأهان من اليهود، ورفع رأسه ورد مبتسمًا: (فلتكن مشيئتك يا رب).
يصوم المسيحييون بإختلاف طوائفهم اليوم، وترتدي النساء ثيابًا سوداء كرمز للحداد، وتبث مكبرات الصوت ترانيم للمناسبة مثل (اليوم علّق على خشب) و(أنا الأمّ الحزينة).
المسيح الذي خلّص العالم السابق من شرور الشيطان، ربما نحتاج لتضحية أخرى منه في عالمنا الحالي ليخلصنا من شرور التكفيريين والمتعصبين والذين يرفضون حرية الآخر بإنتقاء معتقده الذي يلائمه، حسب ما تنصّ كل مشرعات حقوق الإنسان.
بعضُ الإسلاميين أو الذين يدعون (إسلامهم)، يسخّرون إهتماماتهم وأوقاتهم لتجريح وإهانة الآخرين والسخرية من معتقداتهم، رافضين إعطائهم أبسط حقوقهم من ناحية الإحتفال بأعيادهم، وممارسة طقوسهم الدينية.
حملة بربرية ووحشية تعرضت لها إليسا، بعدما أعلنت إعتزازها بديانتها المسيحيية، وكتبت عن مدى أهمية (الجمعة العظيمة) كمناسبة دينية لها كمسيحيية مؤمنة، لتغضب وتتخلى عن تعاليم السيد المسيح التي تدعو إلى مسامحة المعتدي والمهاجم، وتتبنى النظرية الإسلامية التي تقول: (العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم)، فتهدد بحظر كلّ من ينتقدها ويسخر من رموزها الدينية.
كتبت: (كل من يسخر من ديني فنصيبه سيكون بلوك من دون حتى التفكير بالأمر. في هذه النقطة، لا أساوم، ولن أدير خدي الأيسر أبدا)، وهذا حق بديهي لها وسط هجوم بربري من جماعات متشددة ترفع راية الإسلام، ولا تعرف عنه شيئًا.
أما الإسلام الحقيقي فيقول:
- بعدما فتح عمر بن الخطاب بيت المقدس، دخل إلى كنيسة القمامة، فجلس في صحنها، وحان وقت الصلاة، فقال للبترك: أريد الصلاة ، فقال له: صلِّ موضعك ، فإمتنع وصلَّى على الدرجة التي على باب الكنيسة منفرداً، فلما قضى صلاته قال للبترك : لو صليتُ داخل الكنيسة لأخذها المسلمون بعدي وقالوا هنا صلَّى عمر.
- تقول الآية في سورة العنكبوت بالقرآن الكريم: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون). وأهل الكتاب في القرآن هم المسيحييون واليهود، وكتبهم السماوية: الإنجيل والتوراة والزبور.
- يروى أن علي بن أبي طالب أنه وَجد درعه عند رجل مسيحيي، فأقبل به إلى القاضي يخاصمه، فقال: هذه الدرع درعي، ولم أَبِعْ، ولم أَهَبْ. فقال القاضي للمسيحيي: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ فقال الرجل: ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب. فالتفت القاضي إلى عليٍّ فقال: يا أمير المؤمنين، هل من بيِّنة؟ فضحك عليٌّ وقال: أصاب القاضي؛ ما لي بينة. فقضى بها للرجل، فأخذها ومشى، ثم رجع فقال: أما أنا فأشهد أنَّ هذه أحكام الأنبياء العادلة.
- كان الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) يجاوره جار يهودي، وكان اليهودي يحاول أن يؤذيه، ولكن لا يستطيع خوفاً من بطش أصحاب النبي، فما كان أمامه إلا الليل والناس جميعاً نيام، ليأخذ الشوك والقاذورات ويرمي بها أمام بيته، وعندما يستيقظ النبي ويجد هذه القاذورات كان يضحك، ويعرف أن الفاعل جاره اليهودي، فيزيح القاذورات عن منزله ويعامله برحمة ورفق، ولا يقابل إساءته بالإساءة، ولم يتوقف اليهودي عن عادته حتى جاءته حمى خبيثة، فظل ملازماً الفراش، يتألم من الحمى حتى كادت توشك بخلاصه، وبينما كان بداره سمع صوت النبي يضرب الباب ويستأذن الدخول، فأذن له الرجل فدخل صلوات الله عليه وسلم على جاره اليهودي وتمنى له الشفاء، فسأل اليهودي النبي: (وما أدراك يا محمد أني مريض؟) فضحك ورد قائلًا: (عادتك التي انقطعت) بإشارةٍ إلى القاذورات التي كان يرميها اليهودي أمام بابه.
عبدالله بعلبكي – بيروت