يعتقد غالبية الناس في لبنان وخارجه أن المؤامرة الحقيقية التي تواجه البلد تكمن في عدم رغبة الطبقة السياسية في تطبيق مجموعة من الإصلاحات الملحّة والشاملة رغم أنه السبيل الوحيد الكفيل بإطلاق مساعدات تدريجية من الخارج.
ما المطلوب لتغيير هذه الذهنية فوق كل هذا الانهيار والبؤس؟
هكذا و«بالمختصر المفيد» ضَرَبَ المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيتش، من جديد عبر موقفٍ حازمٍ لا يحتمل التأويل، كرّر فيه «توبيخ» السلطة و«تثبيت» مكمن الداء الحقيقي، كما يراه المجتمع الدولي، في «الأزمة الشاملة» التي باتت تتحكّم ببلادٍ تتقاذفها عواصف السياسة والمال والاقتصاد و«كورونا» وواقعٌ معيشي صار أشبه بـ«برميل بارود».
ولم يفاجئ تأنيب كوبيتش الوسطَ السياسي، والديبلوماسي، في بيروت، هو الذي أصبحتْ إطلالاته الحادة على المشهد اللبناني بمثابة «البوصلة» لكيفية مقاربة الخارج المأزق الكبير الذي حشرتْ بيروت نفسَها فيه، عبر سلوكٍ تصرّ معه على السير في اتجاه طريقٍ مسدود لعجْزها اعتماد «طريق النجاة» الوحيد، التقني – السياسي، في ضوء استرهان قرارها الاستراتيجي لـ«حزب الله» ومشروعه الإقليمي.
هذه الإحاطة التي قام بها كوبيتش، وبلا تدوير زوايا، للوضع اكتسبتْ دلالات خاصة كونها بدت محمّلة برسائل «مشفّرة» حملتْ رداً ضمنياً على المناخ الذي أعقب زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف – لودريان (لبيروت) الذي كرّس رفْع المجتمع الدولي «جداراً سميكاً» أمام أي دعْم مالي للبنان إلا بعد تطبيق الإصلاحات البنيوية والهيكلية الفعلية، وهو المناخ الذي أشاعه خصوصاً الهجوم غير المحسوب النتائج الذي قام به رئيس الحكومة حسان دياب ضدّ رئيس الديبلوماسية الفرنسية إذ اتهمه بأن «لديه نقصاً بالمعلومات لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية» وصولاً إلى اعتبار «ربْطه أي مساعدة للبنان بتحقيق إصلاحات وضرورة المرور عبر صندوق النقد يؤكد أن القرار الدولي هو عدم مساعدة لبنان حتى الآن».
وجاء كلام منسق الأمين العام للأمم المتحدة، ليؤكد في رأي أوساط واسعة الاطلاع مسألتيْن: الأولى أن ما قاله لودريان في بيروت يعبّر عن موقف المجتمع الدولي ككل. والثانية صحة ما نُقل قبل أيام عن أن وزير الخارجية الفرنسي أبلغ مَن التقاهم أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا «على خطى رجل واحد في كل ما يختص بلبنان».
واعتبرت الأوساط أن كوبيتش بحديثه عن «المؤامرة الحقيقية» غَمَز بوضوح من قناة محاولاتِ السلطة تصوير ما يعانيه لبنان على أنه من «فِعل الآخَرين»، وذلك من باب الهروب إلى الأمام المتمادي من عدم الرغبة ولا القدرة على السير بإصلاحات تُعتبر أيضاً المفتاح لبلوغ تفاهُم على برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي ما يزال رهينةَ خلافاتِ أهل البيت اللبناني وعدم توافقهم حتى الآن على رقم موحّد للخسائر المالية، وهو ما أدى إلى خسارة وقت ذهبي ودخول المفاوضات في جمودٍ سيتعزّز في شهر العطلة السنوية (أغسطس) على وقع تفاقُم مَظاهر السقوط المالي وتداعياته الاقتصادية والمعيشية على مختلف وجوه حياة اللبنانيين الذين صاروا أسْرى العتمة ونقص البنزين والمازوت ووقوف المستشفيات الخاصة على مشارف الانهيار ودخول البلاد مدار التضخم المفرط.
وبدّد وهج كلام كوبيتش محاولةَ دياب أمس، «لحْس» موقفه الهجومي ضدّ فرنسا والذي قوبل بانتقادات داخلية من المعارضة في لبنان كما بـ«صدمة» في الأوساط الديبلوماسية العربية والغربية، وذلك من خلال تنويهه خلال استقباله أمس وفداً من السفارة الفرنسية ترأستْه القائمة بالأعمال سالينا غرونيت «بالعلاقات اللبنانية الفرنسية العميقة والمتجذرة في التاريخ وفي القيم المشتركة»، معربا عن «تطلع لبنان إلى تعزيز علاقات التعاون بين البلدين على الصعيد الثنائي وعلى الصعيد الدولي»، ومؤكداً أن «زيارة الوزير لودريان تأتي في سياق تلك العلاقة التاريخية التي تجمع بين البلديْن».
وترافقَ ذلك مع معاودة واشنطن تأكيد ثوابت مقاربتها للوضع اللبناني من ضمن المواجهة الكبرى التي تخوضها في المنطقة مع إيران والتي يشكّل «حزب الله» جزءاً لا يتجزأ منها، وذلك من خلال موقفين:
الأول تضمّنه الإشعار الذي صدر عن البيت الأبيض والذي أعلن بموجبه الرئيس دونالد ترامب الاستمرار لمدة سنة جديدة في حالة الطوارئ الوطنية في ما يتعلق بلبنان المُعلنة في الأمر التنفيذي رقم 13441 (1 أغسطس 2007)، إذ ورد في «حيثياته» أن «بعض الأنشطة المستمرة، مثل استمرار عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى(حزب الله)- والتي تشمل أنظمة أسلحة متطورة بشكل متزايد – تعمل على تقويض السيادة اللبنانية، والمساهمة في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، وتستمر في تشكيل تهديد غير عادي واستثنائي للأمن الوطني والسياسة الخارجية للولايات المتحدة».
* والثاني كلام نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جويل رايبرن في معرض الردّ على سؤال حول طلب الحكومة اللبناني الحصول على استثناءات ذات صلة بموجبات قانون «قيصر» ان «سقف الاستثناءات فيما يتصل بالتعامل مع نظام (بشار) الأسد مرتفع للغاية»، مضيفاً: «أما طلب الحكومة (اللبنانية) المتعلق باستثناء استجرار الكهرباء من سورية من العقوبات، فنعرف جميعاً أن حل الكهرباء في لبنان ليس باللجوء إلى نظام الأسد للحصول عليها».
ولم يحجب الصخبُ الدولي حول الوضع في لبنان دخوله في رحاب الإقفال التام حتى 10 أغسطس المقبل وعلى مرحلتين تفصل بينهما «استراحة» في 4 و5 أغسطس، وسط رصْد لمدى جدية السلطة بفرْض التزام هذا الإقفال الذي استثنى بعض القطاعات (لا يشمل المطار الذي بات إلزامياً إجراء فحص PCR قبل دخوله من أي بلد) لمحاولةِ وقف اندفاعة «كورونا» الذي سجّل الأربعاء 182 إصابة جديدة وهو الرقم القياسي الأعلى في يوم واحد منذ رصْد أول حالة في 21 فبراير الماضي، في حين ارتفع عدد الوفيات الإجمالي إلى 55.
وفي حين تواجه السلطات اللبنانية امتحانَ فرْض تطبيق الإقفال ومواءمته مع فترة عيد الأضحى الذي يحلّ مثقلاً بكل أزمات البلاد وسط غياب أي من مظاهر الفرح التي «نُكِّست» أمام الأنين المتدحْرج للقسم الأكبر من اللبنانيين وعودة قطْع الطرق في مناطق عدة، دقّ مدير مستشفى الحريري الجامعي الدكتور فراس الأبيض مجدداً «النفير» أمس محذراً من «أنّنا نتجه إلى عين العاصفة. وسيتبع ذلك بالتأكيد ارتفاع بحالات الاستشفاء»، موضحاً أن «أسرّة العناية المؤهلة لمرضى كورونا في المستشفيات الحكومية تعمل تقريباً بكامل طاقتها، وسيتوافر المزيد منها قريباً والمهم ألا يكون ذلك على حساب المرضى الذين لا يعانون من الوباء».
وفيما كانت خيوط التحقيقات في سلسلة نتائج خاطئة لفحوص pcr في مختبر كورونا بمستشفى حكومي في زحلة تطلّ على فرضية شهادة تزوير لطبيب «منتحل صفة» في المختبر، كُشف أمس إصابة أحد مستشاري وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر بالفيروس
المصدر: راي الكويتية