قصة قصيرة من تأليف محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، مهداة لموظفي القطاع العام ولا سيما موظفي البلديات في المحافظة
لمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، قرر السيد كريم أن يساعد الفقراء عبر تقديم وجبة إفطار لعشر أسر فقيرة كل يوم ولمدة شهر، تقوم “انجو” وهي المدبرة المنزلية الأجنبية بتحضيرها.
وقُبيل موعد أذان المغرب، يقوم صالح وهو العامل الذي يساعد السيد كريم، بتوزيع هذه الوجبات على العائلات المحظوظة التي قام “المعلّم” باختيارها.
طلب صالح من انجو ان تعطيه ولو وجبة صغيرة كي يطعم عائلته، الا انها رفضت، لأن السيد كريم كان واضحا الا يذهب اي من الطعام لغير الاسر ال ١٠ التي اختارها، وانجو لا تستطيع مخالفة تعاليم السيد كريم.
ينطلق صالح خاوي المعدة حاملاً الوجبات الموضبة التي تفوح منها الروائح الزكية والتي تحوي ما لذّ وطاب من مأكولات تليق بالصائم خلال هذا الشهر الفضيل.
في اليوم الأول احتوت الوجبات على الحساء والفتوش ومنسف مع لحم الخروف الشهي تزيّنه “القلوبات”، وطبعاً لم تنسَ انجو إضافة الحلويات إلى الوجبة… وكما في اليوم الأول كذلك في كل يوم، كان صالح يحمل الوجبات للعائلات الفقيرة التي تمّ اختيارها ويتحسّر على حاله، فلا يحقّ له أن يحصل على وجبة إفطار من الوجبات التي يقوم بتوزيعها بكل أمانة، فهو لا يستحقها لأن لديه وظيفة براتب يوازي الحد الأدنى للأجور البالغ ٦٧٥ الف ليرة، اي ستة دولارات شهرياً، وبإمكانه أن يعيل نفسه وعائلته بنظر السيد كريم، فيما انجو تحصل على راتب شهري بالدولار “الفريش”، اضافة لإقامتها المجانية في منزل السيد كريم التي تتضمن المأكل والملبس والتأمين الصحي…
وبعد أن ينتهي صالح من توزيع الوجبات، يعود حاملاً معدته الخاوية الى منزله الكئيب، ينظر بحسرة الى عائلته المتلهفة للقائه، في حين ينظر اولاده الى يديه الفارغتين فيخيب ظنهم. يرضى صالح بنصيبه، يفترش الأرض مع زوجته وأولاده، يفطرون على ما تيسّر من خبز وزعتر، يحتالون على بطونهم الفارغة، ويشكرون الله على دوام هذه النعمة.
هذه ليست حكاية من نسج الخيال، على العكس، إنّ شخصياتها حقيقيون، كما أنّ أحداثها تحصل أمام عينيّ كل يوم. فالمنظمات والجمعيات تمتنع عن تقديم أي مساعدة لأي موظف في القطاع العام، وهذا موضوع جدل دائم بيني وبينها. ففي التفاصيل، تطلب مني هذه المنظمات الموافقة والتعاون معها لتنفيذ مشاريعها الخيرية، وتطلب منّي أن أعطي توجيهاتي للموظفين من أجل مساعدتها على التنفيذ، ولا سيما موظفو البلديات التي أديرها بعد أن تمّ حلّ مجالسها البلدية. وفي كل مرة أطلب تقديم المساعدة لموظفي هذه البلديات أسوة بباقي المحتاجين، يأتي الجواب بالرفض لأنّ الجهات المانحة تمنع المنظّمات والجمعيات من تقديم أي مساعدة لموظفي القطاع العام.