يواجه سعر الذهب(XAU/USD) تحديات متزايدة في ظل الضغط الذي يفرضه الدولار الأمريكي القوي، والذي لا يزال مستمرًا بالقرب من أعلى مستوياته في عامين، مدعومًا بتصريحات متشددة من البنك الاحتياطي الفيدرالي. ففي الوقت الذي اخترق فيه السعر مستويات بالقرب من 2635 دولارًا، وهو خط العنق لنموذج الرأس والكتفين الهابط على الرسم البياني للساعة، يمكننا القول بأن الانخفاض من الناحية الأساسية كان بسبب قوة الدولار المستمرة وتوقعات الأسواق بتباطؤ وتيرة خفض أسعار الفائدة في عام 2025. لكن على الرغم من أن هذه العوامل الاساسية والفنية تشير إلى ضعف محتمل في الذهب، إلا أن التوترات الجيوسياسية والمخاوف العالمية لا تزال تدعمه كملاذ آمن.
اقرأ: الذهب دون تغيير – تحليل خاص
فالبيانات الاقتصادية الأخيرة التي صدرت عن معهد إدارة التوريد(ISM) أشارت إلى تحسن في مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الأمريكي، حيث ارتفع إلى 49.3 في ديسمبر مقارنة بـ 48.4 في نوفمبر. وجاءت هذه الأرقام أفضل من المتوقع، مما ساهم في تعزيز قوة الدولار. وأعتقد أن تحسن النشاط الصناعي في الولايات المتحدة يعزز التوقعات الاقتصادية، وهو ما يعزز بدوره قوة العملة الأمريكية، ويزيد من الضغط على الذهب. فكلما ارتفع الدولار، أصبح الذهب أكثر تكلفة بالنسبة للمستثمرين الأجانب، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على المعدن الأصفر. غير أن التوقعات الاقتصادية الإيجابية في الولايات المتحدة تدفع المستثمرين بعيدًا عن الذهب، الذي يعتبر عادة أداة تحوط ضد التراجع الاقتصادي.
اقرأ: توقعات سعر الذهب وسط النفور من المخاطرة – تحليل خاص
ومن وجهة نظري، تبقى سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تلعب دورًا محوريًا في التأثير على سعر الذهب. ففي ديسمبر الماضي، قرر الفيدرالي خفض أسعار الفائدة، ولكنه أشار إلى أن وتيرة الخفض ستكون أبطأ مما كان متوقعًا في السابق. وهذا التشديد النقدي المتوقع من الفيدرالي يضعف جاذبية الأصول غير العائدة مثل الذهب، حيث أنه لا يحقق أي عوائد مقارنة بالسندات الحكومية أو الودائع البنكية. وهنا، يزداد إقبال المستثمرين على الأصول التي توفر عوائد أعلى في ظل ارتفاع تكاليف الاقتراض، مما يشكل تهديدًا سلبياً للذهب ويحد من جاذبيته.
وفي المقابل، يبقى الذهب مستفيداً من دعم محدود من عوامل أخرى مثل التوترات الجيوسياسية المستمرة في منطقة الشرق الأوسط، والصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا، لأنها تتسبب في حالة من عدم اليقين التي تعزز الطلب على الذهب كملاذ آمن.
اقرأ: تحليل أداء أسعار الذهب – خاص
وبالإضافة إلى العوامل الجيوسياسية، تواصل البنوك المركزية حول العالم شراء الذهب بشكل كبير. فمن المتوقع أن تبقى هذه البنوك كمشترين للذهب خلال العام 2025، بمعدل شراء يقارب 8 ملايين أوقية. وهذا الطلب الكبير برأيي يساهم في رفع أسعار الذهب ويزيد من شح المعروض في الأسواق، مما يعزز من قيمته. وسياسة شراء الذهب من قبل البنوك المركزية تعكس رغبتها في تنويع احتياطياتها من النقد الأجنبي، مما يجعلها أقل عرضة لتقلبات الأسواق المالية العالمية. وبالتالي، تبقى هذه المشتريات أحد العوامل الرئيسية التي تدعم أسعار الذهب على المدى الطويل.
ومع ذلك، لا يمكنني تجاهل أن الذهب ما زال يعاني من ضغوط من جراء العوامل الاقتصادية. إذ أن زيادة العوائد على السندات الأمريكية نتيجة لرفع أسعار الفائدة قد تجعل الذهب أقل جاذبية مقارنة بالأدوات المالية الأخرى التي تقدم عوائد أعلى. غير إن الأسواق تتوقع تأثيرًا محدودًا لخفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، مما قد يبقي ضغوط البيع على المعدن الأصفر. لذلك أتوقع أن تبقى الأسعار عرضة لتذبذبات مستمرة في ظل التفاعل بين العوامل الاقتصادية والجيوسياسية.
اقرأ: مستقبل الذهب كملاذ آمن 2025 – تحليل خاص
ومن هنا، يمكنني القول إن مستقبل الذهب يبقى غير واضح بشكل كامل، حيث يتأثر بعدد من العوامل المتضاربة. من جهة، ويبقى الذهب قوياً كملاذ آمن في ظل التوترات العالمية والتوترات الجيوسياسية، إضافة إلى المشتريات الكبيرة من البنوك المركزية. ومن جهة أخرى، تزداد الضغوط الناتجة عن قوة الدولار الأمريكي وتوقعات زيادة عوائد السندات. ومع استمرار هذه العوامل المتناقضة، يبدو أن سعر الذهب سيدخل مرحلة من التذبذب المستمر، مع تقلبات ملحوظة في الأسعار بناءً على تطورات السياسة النقدية الأمريكية والأحداث الجيوسياسية.