من رحم هذا الظلام الدامس المسيطر على لبنان، والذي أرخى بأثقاله على كاهل هذا الشعب المنهك، والذي عانى ويعاني من انقسام حاد وخطر بين مكوناته الإجتماعية والدينية، يؤجج ناره تجار المذاهب وشياطين الدين، كما يعاني في الآن نفسه من ضائقة إقتصادية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد، والمؤسف والمبكي أن أبطال هذه الأزمة، هم طائفة من الذين انتخبهم الشعب ونصًبهم مؤتمنين على شؤونه الحياتية والأمنية والإقتصادية ومستقبل الأجيال ومصير البلاد والعباد، فتآمرت هذه الطائفة وتحاصصت وتقاسمت مقدرات البلاد.
ونهبت خيراتها وخزائنها وأموالها وكانت المأساة، ووصلت الحال إلى أسوأ ما يتصوره العقل البشري السوي.
في هذه الآونة الحالكة الظلام، ظهرت بارقتا أمل، تجسدتا في ما يلي :
أولاً : إختيار الشيخ الدكتور سامي أبو المنى لمنصب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، وهو رجل العلم والمعرفة والتلاقي والإعتراف بالآخر والقبول به، وهو رجل الحوار المحصن بالعقل الراجح والإيمان الراسخ، وهو المستقيم في سلوكه والمحترم في تعامله مع الآخرين، ولكن رغم ثقتنا الكبيرة بإمكانات الرجل الهائلة العلمية منها والفكرية والإدارية والنفسية، وقدرته على إدارة شؤون الطائفة وتمثيلها في مختلف الصعد الرسمية والدينية والإجتماعية، يبقى ثمة سؤالان يراودان عقولنا:
١- هل سيتمكن سماحته من تحرير مقام مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز من هيمنة الزعامات التقليدية المسيطرة والقابضة على المقام والقرار والمؤسسات؟
٢- هل سيتمكن سماحته من تنظيم الأوقاف وانتزاعها من أيدي العابثين السياسيين والمحاسيب، ووضعها في خدمة من يحتاجها بحق، من العائلات والأسر والأفراد وخاصة الطلاب منهم، دون الحاجة إلى تدخل الزعماء والسياسيين، وبالتالي فك أسر هذه الأوقاف من سيطرتهم ومعتقلاتهمء
ثانياً : إختيار الدكتور عصام شرف الدين وزيراً في التشكيلة الحكومية الميقاتية الأخيرة.
فلا عجب من أن يتبوأ الدكتور عصام منصب نائبًا أو وزيرًا فهو يملك كل المؤهلات العلمية والثقافية والأخلاقية والقدرة على تسلم مثل هذه المهام الوطنية، لكن الغريب في الأمر هو أن يسمى الرجل وأمثاله في حكومة أطلق عليها إسم (حكومة الإنقاذ) وأنا أشك في ملاءمة إسم هذه الحكومة على حقيقتها ، وبالتالي قدرتها على الإنقاذ، فقد تتمكن الحكومة من القيام ببعض الخطوات والمهام، نظراً لاحتوائها على بعض الشرفاء أمثال الدكتور عصام، لكنها غير صالحة لإنقاذ البلاد من هذا الإنهيار الكبير، واستعادة الأموال المنهوبة التي كانت إحدى الأسباب المباشرة لهذا الإنهيار.
والسبب واضح وضوح الشمس، فهذه الحكومة قد خرجت من رحم المحاصصة التقليدية والأسوأ من المحاصصة هذه، هو أن رأس هذه الحكومة هو أحد رموز الفساد، وهو الشريك الأساسي في دفع البلاد البلاد إلى هذا الإنهيار الذي تتخبط فيه، فمن يرمي بوطنه وبشعبه في الهاوية ، هو غير مؤهل من إنقاذهما مما إقترفته يداه.
قد يتمكن الدكتور عصام رغم كل هذه الظروف الصعبة من أن يقدم نفسه نموذجاً للوزير النزيه والمسؤول والشريف والذي تتشرف به الوزارة ليقول للناس: بلى يوجد في لبنان رجال أكفاء وقادرون على الإنقاذ ، ولكن بحكومة متجانسة، أي أن كل أعضائها من المعدن الثمين، بدءً من رئيسها إلى آخر وزير فيها ولبنان زاخر بالرجال الرجال والشرفاءولكن هل يملك المجلس النيابي الحالي، الإرادة الحرة لإتخاذ مثل هذه الخطوة؟ طبعاً لا، لا يملك، فهو مسيطر عليه ومرتهن لمنظومة الفساد التي نهبت المال العام والخاص، وأسقطت الوطن.
إذًا فلننتظر الإستحقاق الإنتخابي القادم، عل وعي الناس قد استيقظ واكتشف حقيقة المنظومة السياسية، وخطرها على الشعب والوطن، فينتخب المجلس الكفوء والقادر على الإنقاذ .
وأخيراً نقول: (هنيئاً للبنان بالصديق الدكتور سامي أبو المنى كشيخ عقل للطائفة التي أوجدت هذا الكيان طائفة الموحدين الدروز. وهنيئًا للبنان بالصديق الدكتور عصام شرف الدين، وزيراً للشهامة والنخوة والمروءة واستقامة السلوك ونبل الأخلاق.
د. شيبان الجردي