أين أدوية السرطان؟ ومَن المسؤول عن فقدانها؟ كيف يُعالَج الأطفال والشباب والكبار؟
حين يُحجب الدواء عن مريض السرطان ألا يصبح الأمر جريمة موصوفة؟ والرصاصة غير الرحيمة التي تصيب منه مقتلاً؟
أطباء، مستشفيات، مرضى وأهل يستغيثون في دولةٍ تصم آذانها عن صرخاتهم. يعاني مرضى السرطان في لبنان فقدان الأدوية المتعلقة بالمرض الخبيث بسبب الأزمة الاقتصادية الأمر الذي يعرّض معظمهم لخطر الموت. هم معلَّقون أصلاً بين الألم والأمل يتعلّقون بعلاجٍ هو حبْل النجاة وقطرة الضوء في النفق المظلم وطاقة الحُلْم بأن ينتهي الكابوس، فإذ بهم في مواجهة مزدوجة على جبهتيْ المرض اللعين والدواء الذي صار العثور عليه.
المرضى تنازع وعذاب الأهل كبير جداً، منذ فترة طويلة أطلقت الإنذارات بأن الدواء سيفقد ولن نقدر الاستحصال عليه، ولكن منذ أسبوعين باتت ستة أدوية من أدوية السرطان الأساسية غير متوافرة مطلقاً ولا بديل لها، فيما هناك نقص كبير في غالبية الأدوية. واقع مُبْكٍ حقاً وظالم أن يُحرم طفلٌ من حقه بالعلاج بسبب فقدان الأدوية في حين أن نسبة الشفاء من السرطان عند الأطفال تقارب 85 في المئة.
الأدوية اليوم غير متوافرة والأطفال المصابون بالسرطان مُعرَّضون لخطر حقيقي. فأول عامل للشفاء هو العلاج.
وبانقطاعه هناك خطر حقيقي إما بالموت أو بمعاودة ظهور المرض من جديد. تأخير العلاج أو عدم القدرة على البدء به هو قنبلة موقوتة تُعَرّض حياة المصابين وتحرمهم من واحد من أهم حقوقهم وهو حق الحصول على الطبابة.
ومن جهة الأهل يصبح الألم مضاعفاً بين الخوف على ولدهم المريض وعدم قدرتهم على تأمين الدواء له. مشكلة غالبية أدوية السرطان أن لا بديل لها ولتركيباتها.
فمصرف لبنان لا يفتح الاعتمادات لشراء الدواء فيما شركات الأدوية لا تعرف كيف تسعر الدواء في ظل وجود أسعار عدة للدولار ويطلب المستوردون من الصيدليات والمستشفيات دفع ثمن الأدوية نقداً في حين أن هذه الأخيرة لم تستوف بعد ما لها في ذمة الوزارة.
أما وزارة الصحة فهي تشتري أدوية السرطان من المستوردين لتؤمنها لمرضى السرطان الذي يتلقون العلاج على حسابها، فيما المرضى غير الخاضعين لوزارة الصحة والتابعين لشركات تأمين خاصة فيُطلب منهم تأمين الدواء بأنفسهم وهو أمر في غاية الصعوبة حتى بالنسبة للميسورين منهم.
ففي الخارج سعر الأدوية باليورو أو الدولار، ويصعب على المرضى الحصول عليها لأن ذلك يتطلب آلية خاصة ومعقّدة، وأحياناً موافقة من طبيب مختص في البلد المذكور حتى يتم إعطاء الدواء.
باختصار أنه أمر غير مقبول وغير إنساني فاللبناني يحق له أن يتطبّب، وكانت وزارة الصحة تقوم لسنوات بواجبها بتأمين أدوية الأمراض المستعصية. أما اليوم فهي لم تعد قادرة وقد حاولت حل المشكلة بالذهاب نحو مصادر غير معروفة مثل الدواء الإيراني أو الهندي أو الروسي.
هل يكون حل المشكلة بمصادر دواء مجهولة وغير موثوق بها أم أنها مشكلة إضافية تساهم في تأزيم وضع مرضى السرطان.
ان معظم أطباء السرطان ترفض استخدام أي دواء من مصدر غير معروف، لا لأسباب سياسية بل لعدم توافر معلومات علمية كافية حوله. فما دامت لم تُنشر أبحاث حوله في مراجع ومجلات علمية موثوقة فلا يمكن الركون إليه.
بالنسبة للمستشفيات، المشكلة لا تكمن فقط في الدواء بل في تأخر دفْع الوزارة لِما عليها من مستحقات لها بحيث باتت المستشفيات ترفض دخول أي مريض سرطان للاستشفاء إن كان على حساب وزارة الصحة، وكأن المريض بات محكوماً عليه بالإعدام، من جهة لعدم استقبال المستشفى له ومن جهة أخرى لعدم توافر الدواء الذي يعالجه.
وأتت مشكلة انقطاع التيار الكهربائي وفقدان مادة المازوت لتفاقم من وضع المستشفيات والمرضى، بحيث أصدرت بعض المستشفيات في لبنان بياناً أعلنوا فيه عن عدم قدراتهم على استقبال وعلاج المرضى لأن مادة المازوت المتوافرة لديهم تكفي ليومين فقط.
وما يزيد الطين بلة وساهم في مفاقمة الوضع المأزم أن الجمعيات التي تعمل على دعم مرضى السرطان ومساعدتهم وتأمين أدويتهم غير قادرة على الوصول إلى مدخراتها في المصارف بحيث يتم تقطير سحوباتها وتُمنع تحويلاتها إلى الخارج، كما أنها غير قادرة على القيام بنشاطات مختلفة لجمع الأموال والتبرعات كما اعتادت، وتالياً لم يعد في استطاعتها شراء الأدوية من الداخل أو الخارج ودفع ثمنها نقداً ولا الدفع نقداً للمستشفيات للمعالجة.
حالياً مئات الأطفال في لبنان لا يستطيعوا إكمال علاجهم، واصبحوا في فم مصير مجهول يهدد بابتلاعهم. الأهل باتوا غير قادرين حتى على الوصول إلى المستشفى.
الصرخة التي نطلقها تعلو أيضاً بصوت كل أطباء معالجة السرطان والجمعيات التي تعنى بمساعدة مرضاه وأهالي المرضى وكأنها نشيد كئيب يخشى التحوّل إلى نشيد للموت.
وفي نهاية الأمر لا بد من استئصال سرطان الفساد السياسي الذي ينخر في لبنان، ويضرب عميقاً في آخر مفاصل الدولة اللبنانية.
د. وليد ابودهن