(هذا النصّ كتبته من أعماق قلبي وددت إهداءه لجدي الراحل عبر المنبر الذي أعمل فيه، لتكون آخر رسالة ربما يقرأها مني).
إلى الرجل الذي صنعني، فجعلني صحافيًا أكتب الآن في مجلة (الجرس)، وأحظى بدعم رئيسة التحرير نضال_الأحمدية كما جميع زملائي.
إلى الذي قرّر ألا يتخلّى عني بعمر التاسعة، بعدما فقدتُ والدي، فأصبح الأب البديل، بل الأب الأعظم، وكان الجدّ الذي بدأت التجاعيد ترسم أجمل لوحاتها على يديْه، فيما الشباب يغمر قلبه الطيّب.
إلى من صنع منيّ إنسانًا بحجم رؤيته للإنسان، فجعلني صاحب قلمٍ، ورفعني بعنايةٍ إلى مراتب الأخلاق العليا، وزرع القيّم والمبادئ في شخصيتيّ، التي كبرت في أحضان نصائحه وتوجيهاته.
إلى الأب الذي قال لي يومًا وأنا جالس على الكنبة حائرًا خائفًا من مستقبل مجهولٍ لشاب لبناني: (ستصبح ناجحًا ورهاني عليك سيتحقّق).
إلى الذي دفع من جيبِه وقلبِه، من عمرِه وصحته، من وقتِه وطاقتِه، لأصبح ما أنا عليه اليوم.
إلى الذي سألني منذ أيام ممازحًا: (هل تمازحون بعضكم في الجرس كأسرة تحرير أم أنتم صارمون كما يبدو في عملكم؟)، ليتابع: (ست نضال أحبّها وأحبّ جرأتها وصلابتها، أوصل لها سلامي عندما تراها).
لكني لم أوصل السلام لأن المرأة صارمة وأصبحت أكثر صرامة بعد نكسة ٤ آب وهزيمة لبنان.
إلى الذي أنار لي ضوءه منذ يوميْن، كيّ أكتب أخباري ومقالاتي وتحقيقاتي عند منتصف الليل، قال لي: (أنتم الشباب تعطون الكثير ولا تستحقون هذه العتمة).
كان يضع يده على خدي المتألّم ويقول: (ابتسم وأنت متألّم).
ثمّ حكى قبل رحيله بساعات بحنينٍ شديد مدركًا أنه لن يراني مجددًا: (أريد أن أتكئ على كتفك يا عبدالله لأنام).
أراد منحي تلك الابتسامة قبل وقوع فاجعة الألم.
إلى ظلّي العظيم وكلّ العالم ظُلّ بغيابك، أكتبُ لكَ رسالتي أعلاه، وأدوّن تعهدًا بحبر الألم الأقصى: (سأبقى دائمًا ذاك الشاب الذي عرفته، والذي يحمل اسمك بفخرٍ، وأفعل المستحيل كيّ تبتسم لي أنتَ هذه المرة كعادتكَ، ودائمًا ومن السماء يا حبيبي).
إلى الراحل عبدالله جمعة بعلبكي الذي تركني البارحة وها أنا اليوم أعود إلى العمل!.
عبدالله بعلبكي – بيروت