أتذكر ما قالته الزميلة ورئيسة التحرير نضال الأحمدية عن موهبة غادة عبد الرازق أثناء حلولها ضيفة على مقدّم البرامج نيشان منذ سنوات، وكيف وصفتها آنذاك بـ (ميريل ستريب) العرب بعدما أدت واحدًا من أفضل أدوارها بمسلسل (حكاية حياة).
غادة عبد الرازق الأشرف لأنها ليست فصيحة
ميريل ستريب لمن لا يعرف، واحدة من أهم النجمات العالميات اللواتي أنجبتهن هوليوود، وأكثرهنّ موهبةً وقدرةً على تجسيد أدوارهنّ ببراعةٍ، وشكلّت علامةً فارقةً أذهلت النقاد والمتابعين في كافة أنحاء دول العالم، وتشبيه غادة بها يعني إنها:
أولًا: ممثلة ذات قدرات تمثيلية هامة، وأستاذة تأكل ورق السيناريو وتستعد لشخصيتها من الناحيتين النفسية والفيزيائية، تغرق بتفاصيلها وتتناسى كيانها كغادة، وتبرع بتسخير نبرتها وطريقة مشيها ولغة جسدها وتعابيرها كلهم من أجل تجسيد الشخصية بأفضل صورة ممكنة.
ثانيًا: تسعى بإصرار للتميز عن المنافسات، عبر طرح القضايا والمواضيع الهامة التي لم يسبق لممثلة أن قدمتها ببراعة وإحتراف كغادة، ونذكر مسلسلها (مع سبق الإصرار) الذي حاز على إجماع النقاد والمشاهدين، وأدت به دور محامية تدعى (فريدة) قاسية ولينة المشاعر بالوقت عينه، متناقضة لكنها صاحبة شخصية رصينة، تحارب حبيبها الذي يقتل إبنها ويؤذي ولديها بهدف الإنتقام منها، بعدما جعلت القاضي يصدق كذبة زوجته السابقة عنه وطلقتها بعدما توكلت ملفها، قصة مشوقة بمعالجة درامية رائعة وأداء لافت لها.
ثالثًا: كانت تهدف إلى التنويع بخياراتها، ونذكر مغامرتها الجريئة في تأديتها لشخصية المحامية (فريدة) بعد سنة واحدة على تجسيدها لشخصية الفتاة الشعبية اللعوب التي تتزوج خمسة رجال بمسلسل (زهرة وأزواجها الخمس)، ما أثبت موهبتها وجدارتها أن تكون الأولى دون منازع!
- لكنها فجأة تراجعت إلى الوراء، وتركت الساحة لنجمات شابات رغم موهبتها الكبيرة، بعد (حكاية حياة) لم تقدم غادة عملًا لافتًا أحدث ضجةً وكرّس نجوميتها، لتعاني من فشل مسلسلاتها وأبرزها (السيدة الأولى)، والذي خيّب آمالها، كما قالت وبإعترافها الشخصي.
مسلسل (ضد مجهول) محاولة لا بأس بها العام الماضي، أعادت القليل من النجاحات الماضية، إلا أنه لم يذوّقها طعم الصدارة كما حدث مع مسلسلاتها السابقة، وتعوّل آمالها هذه السنة على مسلسلها (حدوتة مرة)، ولعلّ شرائه باللحظات الأخيرة من قبل قناة (النهار والناس) بعدما تضاربت الأخبار عن تأجيله، يدل على مدى تراجع إسم غادة بأسهم الدراما لعدّة أسباب أهمها:
أولًا: النمطية التي كان عليها أن تتخلى عن تكرارها، فبعد تأديتها لدور شخصيتين قويتين، عادت لتقدّم دور إمرأة صلبة ب(السيدة الأولى) و(ضد مجهول) وغيرهما، شيء لم نكن ننتظره منها بسبب إحداثها أكبر تغيير جذري في نوعية أدوارها سابقةً، لكنها ما لبثت أن عادت لتكرر نفسها، وبما أنها تحبّ نجمة الجماهير نادية الجندي وتراها أكثرهن موهبةً في تاريخ السينما المصرية، فلتراقب تجربتها بفيلم (الرغبة)، عندما تخلت عن ثوب الشخصية القوية والمنتقمة والجبارة التي إعتادت تقديمها، لتؤدي دور إمرأة مكسورة ومنهزمة وتحصد إعجاب النقاد والمشاهدين.
ثانيًا: ضياعها بين السينما والتلفزيون، ولا ننكر تحقيقها نجاحات تُحسب لها بعدّة أفلام مع خالد يوسف وغيره، إلا أن تميزها كان على الشاشة الصغيرة، وكان بإمكانها أن تصبح نجمة الدراما العربية الأولى إن ركزت على أعمالها.
ثالثًا: غادة لم تتطور، نعم الموهبة ربانية وفطرية، لكن القدرات بحاجةٍ دائمةٍ إلى التطور والتدريب، نرى نفس التعابير، نفس حركات اليدين، نفس النظرات الحادة، نفس نوعية التواصل مع الممثلين الذين يحطيونها، وهذا لا يزعجنا لأن كلها بغاية الإبداع، إلا أنها يمكنها أن تصبح أفضل حتّى!
رابعًا: تحتاج إلى دراسة إطلالاتها التلفزيونية وتعليقاتها جيدًا، لتحافظ على رصانتها ووقارها وتبتعد عن المشاكل مع الممثلات الأخريات من سمية الخشاب التي صالحتها أخيرًا، هيفاء وهبي بعد تعاونهما بفيلم لخالد يوسف، رانيا يوسف التي تحبّ أصلًا إطلاع كل العالم على مشاكلها الشخصية والمهنية وجرت غادة معها، وغيرهنّ، ونذكر خلافها الأهم مع المخرج محمد سامي الذي أخرج لها أهم مسلسلين بتاريخها الفني، وكان يمكن أن يستمرا معًا لكن الخلاف وقلّة إدراك غادة للمشكلة وترفعها وعدم سعيها الجدي لحلها وكسبه، دمّروا كل الآمال.
عبدالله بعلبكي – بيروت