قصي خولي الملتهب في نيران الأصدقاء، وعندما نقارن أداءه بأداء ممثلين آخرين, وخاصة في المشاهد الإنفعالية, يصيبنا داء السكتة الذي يجعلنا ننسى ما مضى وما سيأتي, ويتوقف فينا الزمن، نغوص بأعماقنا، تلسعنا لعنة التفاصيل، التي قد نتوق لها مرارًا, من شدة ارتطامنا بالتفكير بواقع الحال، نرتعش، ونتلذذ حتى لو كان المشهد مأساويًا.
هذا مايحدث لنا, عندما نشاهد أداء فنان مثل قصي_خولي، هذا الفنان السوري, الذي تخرٌج على أيدي أهم الأساتذة السوريين, في زمن كان فيه المعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا, يمتلك ثقلاً كبيرًا, وبالطبع كانت دفعته من أروع الدفعات, خرجت نجومًا، وتتسابق الأن المحطات العربية على استقطابهم, بعد خروجهم من سوريا واكتساحهم عربيًا، إن بالدراما العربية المشتركة أو في الدراما المصرية.
قصي تخرٌج ولمع مع نجمين مميزين, هما: تيم حسن وباسل خياط، الذين شكلو ثلاثيًا، وكل منهم رسم طريقًا مختلفًا وخاصًا به. وكلهم كسبوا الرهان، بتحقيق المعادلة الأصعب، بالشكل والكاريزما والموهبة المصقولة أكاديميًا.
قصي لم يسمح لأكاديميته أن تطغى على أكاديميته وهي ملكات الفرد غير المتوفرة في كل نظريات الدنيا ومن فيها.
حين يتقمص الكاركترات فبحرفية الأكاديمي لكن غير التلميذ بل الأسناذ لأن الممثل حس خام, هو خليط روحاني، وجداني وحسي، وهذا الذكاء لا يتوفر بكثرة عند الآخرين إذا استثنينا السنديانة (منى واصف)، والعبقري (غسان مسعود) وصاحب المشاعر العظيمة (عبد المنعم عمايري)، الذين شكلوا مدرسة انتصرت على المدرسة الجافة.
قصي خولي لم يخطئ كثيرًا باختياراته, لأنه تعلم جيدًا كيف يقدم موهبته وأين, ولم يصدق نجوميته يومًا، لذلك نراه يتطور بسرعة الصاروخ, ويصنع تاريخًا عظيمًا لنفسه, يتطلع ويكتشف, ويفكر قليلاً, يتأمل الحالة الدرامية حول العالم، ويحلم كثيرًا بدراما مختلفة, تصل بالمشاهد العربي لمرحلة, لا يبدي فيها أي حكم أو موقف أخلاقي. فقط يتأمل الدوافع والأسباب التي جعلت الشخصية الفنية تصل إليها.
قصي لم يتردد يومًا عن المجازفة, والعمل بأنواع مختلفة متاحة في الدراما، قدم الدراما الشامية، بطريقة تختلف عما قدمت بالعادة، وذلك بتقديم البطل الشعبي وكأنه وحش لا يملك قلبًا، فكانت شخصيات خيالية تسير على قدم واحدة، لا يمكن أن ننسى دوره في أهل الراية, فهو رضا الحر حقيقة من أي كليشيه.
ولعب أدوارًا تاريخية مثل سرايا عابدين، الذي استطاع فيه أن يحقق جماهيرية في مصر، ويأخذ دور البطولة رغم وجود ممثليين مصريين كثر ومخضرمين, لكن النجم السوري له مذاق مختلف، لأنه يضفي دمًا جديدًا. هذا حدث في مسلسل سرايا عابدين رغم ضعف النص، لكنه أدى دوره دون مبالغة وبدون محاكاة للدراما التركية، وحتى اللهجة تعامل معها بطبيعته كسوري, دون تصنع شخصية للهجة المصرية، التي توقع الكثيريين فبالتباس.
ولا ننسى دوره في هارون الرشيد، وغيرها من الشخصيات التاريخية القليلة في مسيرته.
قصي_خولي نجم رمضان هذا العام, قدم شخصية (صافي)، بطريقة أكثر واقعية من شخصية تيم في الهيبة، ولا تؤذي جيل الشباب، الذين يتأثرون بمثل هذه الشخصيات، بل على العكس, كان تاجر المخدرات المهذب والشهم والبار بوالديه, لم يجسدها بطريقة شعبية وهمجية، مقارنة بشخصيات الهيبة التي أفرزت جيلاً من الشباب السوري واللبناني الذين يتلهفون للخروج عن القانون، وعن القيم الأخلاقية، في زمن كل شيء فيه مباح.
قصي الفنان الإنسان, والمحبوب من كل أطياف الشعب السوري, والشعب اللبناني الذي عشقه بعد حلوله ضيفًا على مسلسلات لبنانية، وكأنه يبدأ مرحلة جديدة بمشواره الفني, مرحلة يسكنها الجنون, والكثير من الصمت.
كل من تعامل معه انحنى من أدبه وأخلاقه، هذه هي مواصفات الفنان الحقيقي, والقادم أجمل (ياعفو الله).
كنان شقير – سوريا