أرسل لي صديقٌ وزميلٌ رسالةً خاصةً سألني فيها: (لمَ تضعون دائمًا لقب أستاذة قبل إسم كارين في كلّ الأخبار التي تتناولونها دون غيرها، عوضًا عن إستخدام بعض الألقاب المعتادة كالممثلة والكاتبة وغيرهما؟)، وحينها لم أتردد وأجبته فورًا: (لأنها أستاذة!).
نطلق الصفة الجيدة دائمًا على من يستحقها حسب مؤهلاته وقدراته وموهبته، وليس كما غيرنا من المراهقين نفعل تبعًا لعلاقتنا به وإتصالاته بنا ومصالحنا معه.
كارين أستاذة لأنها الكاتبة اللبنانية الأولى التي نقلت الواقع اللبناني بكافة مشاكله وأزماته ومعاناة أفراده إلى الشاشة اللبنانية عبر نصوص عالجتها الأستاذة كارين دراميًا بطريقةٍ رائعةٍ وسلسةٍ ومن دون تعقيدات أو فلسفة، لتبدع وتحلّق وتحترف ككتاب مصر وكتاب الغرب، أمام بعض المقاولات والمقاولين الذين فشلوا حتّى بتقديم النسخ التركية والمكسيكية، وبإعادة برمجتها وصياغتها دراميًا لتشابه ولو قليلًا حقيقة المجتمع اللبناني.
أستاذة وليست دخيلة لأنها:
- مفاجأة العصر في الدراما اللبنانية، بعدما أطلّت لسنوات مع زوجها الممثل فادي شربل بثنائية (مرتي وأنا)، حفظناها بالصورة النمطية للمرأة النكدية والمتطلبة، وحفظها المنتجون معًا ليرفضوا إظهار الجزء الآخر من شخصيتها وموهبتها، لكنها غامرت وآمنت بقدراتها وكتبت نصّ (قلبي دق)، وتنقلت بين عدّة شركات إنتاجية لتعرضه عليهم، إلا أن غالبيتهم رفضوا لأنها ودت أن تكون بطلته الأولى ما إعتقدوه مغامرةً لن تنجح، ليتناسوا إنها كاتبة، والكاتب الحقيقي غالبًا ما يمتلك رؤى دقيقة وإلهامًا كبيرًا وإستشرافًا مبكرًا، لذا أصرت، لتنجح ويعرض مسلسلها وتحصد المرتبة الأولى وتكتسح الجميع، ولتصبح عبارات المسلسل تردد بالمظاهرات والتحركات الشعبية، نظرًا لما ناقشت من قضايا هامة تعني المواطن اللبناني الذي إشتاق لدراما وأعمال تشبهه، لتفاجئ المنتجين الذين قالوا إنها لن تنجح بخلع ثوب (فادي وكارين) عنها وخلق شخصية تمثيلية مختلفة، ولتصبح بذلك الكاتبة الناشئة والممثلة البطلة التي غزت سوق الدراما، التي كانت تعاني من الركود.
- لم تكتفِ وإستأنفت مسيرتها وكتبت دورًا قاسيًا ومضطهدًا ومظلومًا بمسلسل (مش أنا)، وأدته ببراعةٍ وأظهرت تعابير حزينة وكأنها لم تلعب الكوميديا يومًا، غيرت نبرة صوتها وطريقة مشيتها المعتادة، وأوحت بحزنٍ جارفٍ بعينيها، عاشت الشخصية التي كتبتها لأبعد حد، ووقفت أمام الممثل المسرحي الرائع بديع أبو شقرا وتحدته وظهرت معه بنفس المستوى التمثيلي، وتصدرت نسبة المشاهدة للسنة الثانية، ما وضع المنافسين ومنتجي المسلسلات الأخرى بحالةِ إرتباكٍ.
- نجاح كارين الساحق لفت أنظار ال(MTV) التي عرضت عليها عقد عمل لكتابة ثلاث مسلسلات رمضانية، وافقت عليه لتطلق مسلسلين منهم حققا نجاحًا هائلًا وهما: (لآخر نفس) و(ومشيت)، وناقشت عبرهما قضايا جدلية شائكة أبرزها الملل الذي يصيب العلاقة الزوجية، الإنجاب من غير زواج، زواج الشب الفلسطيني من الفتاة اللبنانية، سرقة النواب في لبنان لأموال الشعب، تضحيات المؤسسة العسكرية، وغيرها من المواضيع التي لم يتجرأ أحدٌ ما على كتابتها قبلها.
- ما يميزها أنها نقلت الحالة السينمائية إلى الدراما، فكثير من الأفلام اللبنانية التي رشحت لنيل جوائز عالمية تناولت مواضيع تتعلق بالمجتمع اللبناني، وكانت الدراما تعاني بالمقابل من قلة الواقعية وكثرة الإستنساخات عن الإنتاجات التركية والمكسيكية وإبتعادها عن المواضيع التي تشبه المشاهد، إلا أن أتت كارين وقلبت المعادلة تمامًا.
- كارين أعادت الحياة للمسلسلات اللبنانية (١٠٠٪)، من مخرجيها إلى أصغر عامل بها، وأعادت ثقة المنتجين والمحطات اللبنانية بها، بعدما توجهوا إلى إنتاج الأعمال المشتركة اللبنانية- السورية، لضعف إيمانهم بقدرة الدراما اللبنانية على جذب المشاهدين.
- الفنانة العربية الوحيدة التي تكتب نصوصها وتؤدي أدوار بطولاتها، ولم يحدث أن حصل ذلك في تاريخ الدراما العربية.
- تكتب نصًا كلّ عام، المعدل الطبيعي للكتابة الدرامية، فتعطي كلّ مشهد ما يستحق من إنفعالات وحوار وقيمة ومعنى، وتحترم نفسها وتحترم المسلسل والمشاهد والدراما، ولا تحولها مثل غيرها إلى ساحة تكتظ بالأعمال التجارية والمستنسخة والمكررة، لتتحول المهنة بذلك إلى (سوبر ماركت) وعلب سردين وأكياس بطاطا…
كارين بإنتظارها مهمة أخرى في رمضان، ونتوقع لها النجاح أمام الممثل عمار شلق ضمن ثنائيتها الجديدة التي تقدّمها لأول مرة عبر مسلسلها الجديد (مش انتِ).
عبدالله بعلبكي – بيروت