لم نخطئ عندما لقبنا كارين رزق الله بالأستاذة التي أعادت هيكلة الدراما اللبنانية، فأعادت لها هويتها وبريقها بعدما لجأ المنتجون للأعمال المشتركة التي إفتقدت عاملًا أساسيًا تمثّل ببعدها عن واقع الفرد اللبناني ومشاكله وأزماته اليومية.
المسلسل الأحدث لها (إنتي مين) يوثق من جديد تفردها وتميزها عن باقي الممثلات والكاتبات اللبنانيات، وثقة المشاهدين اللبنانيين فيما تقدم كلّ عام من نص حقيقي وأداء عبقري.
الحلقة الأولى منه عرضت على شاشة (MTV) وإستطاعت أن تتصدّر لائحة ال(Trending) وتتفوق على المسلسل اللبناني السوري المشترك (الكاتب) والذي يعرض بالتوقيت نفسه على الشاشة المنافسة (LBC).
تلعب دور فتاة فقيرة تُدعى (جهاد) تسكن مع والدها المريض نفسيًا، تعاني من عدة أزمات نفسية تدفعها لمحاولات إنتحار عديدة تفشل جميعها بسبب إنقاذها باللحظات الأخيرة من صديقتها وجارتها التي تلعب دورها الممثلة اللبنانية أنجو ريحان.
- أبدعت كارين وجسدت دورها بإتقانٍ، في المشهد الأول تحاول الإنتحار وتبدو ملامحها جامدة وكأن ما عاد شيء يهمها، تحتار بين عدة وضعيات تفكر بأخذها باللحظات الأخيرة من حياتها، تتزين برائحتها وترفع شعرها وترقد على سريرها وتغمض عينيها، لتعطينا إنطباعًا صادقًا عن وجعها من مشاكلها المعقدة التي ما عادت تحتملها.
تستيقظ وترى نفسها في المستشفى بعدما أنقذتها صديقتها، تسأل الممرضة: (هل أنا في الجنة أم جهنم؟) دون أن تحرك جفنها أو تبتسم، تضحكنا بأقل مجهود وتعي كيف ترسم البسمة على وجوهنا دون أن تضطر لتقديم مواد أو حوارات سفيفة أو منحطة أو سخيفة.
بمشهد آخر يظهر جانبًا كوميديًا من موهبة الأستاذة كارين الشاملة، تطلب من جارتها أنجو إن تراقب السقف العلوي من غرفة المستشفى بعدما زارتها، لتبلغها إنها في غرفة من الصف الأول والتي تكلّفها مبلغًا هائلًا، لتفكرا بالهروب من المستشفى، وليركضا بخوفٍ من أن يلاحظهما أحدٌ ما، وكم ضحكنا بسبب خفة ظلها، تتوجع وتركض وتتفاجئ كلما رأت أحدهم، تسير ببطئ كلما لمحها طبيب وكأنها تتمشى، حتى تخرج نهائيًا. - الحوار السلس والعميق بآنٍ معًا يشبهنا، تستخدم كارين الكلمات التي نقولها بأحاديثنا، ما يجعل نصوصها أقرب لنا وأصدق من نصوص المستنسخات.
- الرسائل القيمة التي توجههم بذكاءٍ دون أن تتقصد جهةً ما بشكل مباشر، ومنها إهمال المستشفيات لمرضاها، تغيب الأطباء عن دوامهم الرسمي، إهمال وزارة الصحة لعمليات المواطنين الفقراء الجراحية وعدم تحملها للتكاليف، وغيرها من الأزمات التي نعاني منها حقًا في لبنان.
- الثنائية الجميلة التي جمعتها مع أنجو، حوارهما، نظراتهما لبعضهما، تعابيرهما وتفاعلهما مع بعضهما أثناء مرورهما بمشكلةٍ، جعلونا نندمج معهما وكأنهما تشاركان سويًا بعدة أعمال سابقة.
- أداء الممثل اللبناني عمار شلق المبهر والمتقن والمليء بالأحاسيس والإنفعالات، ويجسد شخصية الطبيب الباحث عن حقيقة ماضي والدته التي يجد صورتها في محفظة كارين بعدما يلتقي بها في المستشفى.
مع كارين ثمّة ثقة لا تجعلنا نتردد ولا تشعرنا بضرورة تأجيل الحكم على مسلسلها بعد عرض الحلقات المقبلة منه، فكل التجارب السابقة أثبتت إحترافها وموهبتها وإمكاناتها ككاتبة وممثلة لبنانية أتت لتقدم فنًا بكل ما للكلمة من معنى بوطنٍ مثقل بالهموم والأزمات، لم يسبق لكاتب أو ممثل أن قدم قصة حياته على الشاشة!
عبدالله بعلبكي – بيروت