قلنا منذ بداية عرض مسلسلها (إنتي مين): الأستاذة كارين رزق الله مختلفة عن الجميع، تكتب بواقعية وتنقل هموم اللبنانيين وأوجاعهم وأوضاعهم المضطربة إلى الشاشة، نتيجة الفساد المتفشي بالحكم الذي تتولى مهامه طبقة سياسية تنتهك كافة الحقوق وتسرق الثروات وتضطهدنا.
أتهمنا بالانحياز لها، وها الكل يعود ويكرر ما حكيناه بعد عرض حلقة أمس التي حملت العديد من الرسائل القيمة والهادفة التي تعنينا جميعًا، وهذا ليس غريبًا عليها فلطالما قدمت فنًا حقيقيًا ولم تستنسخ وتتاجر بنصوصها.
وصلت الأحداث إلى ذروتها أمس، عمار شلق (نسيم) ليس إبن البروفسور الثري، بل تبناه بعدما خسرت زوجته جوليا قصار ابنها أثناء الحرب الأهلية، وسلمته لإحدى مراكز التبني خوفًا من تعرضه لأي أذى، تروي كارين الحرب القاسية التي قطعت أوصال الناس وسحبت من قلوبهم الرحمة، وما زلنا نعيش نتائجها المرة حتى اللحظة، فيما قدم عمار أداءً مبهرًا أظهر به انكساره وحزنه.
(جهاد) التي تلعبها الكاتبة المتميزة، وقعت بغرامه وتبحث معه حتى اللحظة عن سر غامض يجمعهما يتعلق بجوليا اختفت منذ ثلاثة عقود وتعيش مع عايدة صبرا، وتقدمان سويةً أداءً ممتعًا بصريًا.
التصاعد بالأحداث تخلله بعض المشاهد الساخرة التي أوصلت عبرها كارين رسائل صارخة، تحرق كتاب التربية لإبن جارتها أنجو ريحان، وتقول لها: (تصرخين عليه لكي يدرسه، وعندما يكبر تصرخين عليه لكي يطبق كل ما عكسه)، جملة رددها الجميع باعجابٍ وبنقمةٍ على الدولة اللبنانية التي تنظر دائمًا بالحقوق، ولا تعطي المواطن حقًا واحدًا.
أنجو تعاني من تأزم وضع أسرتها المالية وتراكم الديون، لتطلب من زوجها الموظف النزيه أن يسرق كغيره لكي يتمكنا من تحسين مستوى معيشتهما، تعقب كارين: (لو أنه سيسرق الدولة اللبنانية لكنا صفقنا له، لكنه سيسرقنا وسيسرق نفسه من جديد)، ليرتفع بذلك سقف الحرية بالدراما اللبنانية، بعد سلسلة اعتقالات تعرض لها أصحاب الرأي، وبعدما كادت الطبقة السياسية أن تحول لبنان لوطن ديكتاتوري خالٍ من أبسط الحريات.
تحية هنا توجه لشاشة (MTV) على اعطائها للكاتبة اللبنانية الأولى باجماع الناس عليها، ذلك الهامش من الحرية للتحدث بطلاقة عن معاناة اللبناني التي تتفاقم يوميًا، لتصيبنا بمقتلٍ وتوجعنا وتذكرنا بالحالة المأساوية التي نمر بها.
كارين تبدع وتمتع، تضحكنا وتبكينا، تفاجئنا وتقول لنا ما نعرفه ونتناساه لضعف حيلتنا، وتقدم أفضل نص لبناني ربما مر بالسنوات الأخيرة على الاطلاق، يتمتع بسلاسةٍ فريدةٍ وواقعيةٍ افتقدناها بالدراما اللبنانية، وببساطةٍ توصله لكل أنماط المشاهدين.
عبدالله بعلبكي – بيروت