منذ ما أصدرتْ كارين_رزق_الله باكورةَ نصوصّها بدءً من (قلبي دق) وصولًا لـ (انتي مين)، عادت بوصلةُ الدراما اللبنانيّة المحليّة إلى سكتِها السليمة، ورجع المشاهدون ليشعروا أنهم أصحاب بطاقات ركابها، فيسمعون على كراسيهم قصصهم وأحاديثهم، بأصواتٍ وحوارات تلامس مشاعرهم.

إقرأ: كارين رزق الله هل أصبحت نجمة اللبنانيين الأولى؟

لذا نصفّق دومًا لمجهودٍ هائل بذلته كارين الراغبة بإحداث نهضة حياتيّة بدراما، أتاهت طريقها نحو قطارات حملت أعلامًا مُبهمة ومشت بوقودٍ مُستهلك، سمعنا بها قصّصًا لا نفهمها، عبر أصوات باهتة لم تخترق من جدار العواطف سوى قشورها!

منذ أيام انطلقتْ التجربة الميلاديّة الدراميّة الثانية لشاشة (أم تي في)، بعد نجاح الأولى المتمثّلة بـ(أم البنات) منذ عاميْن.

التجربة الحالية سُميّت بـ (ع اسمك)، تكوّنت من فريق عمل الأولى، الأسماء نفسها لكن القصّة تمرّدت بصفحاتها كاتبتها، فأصبحت أكثر تشويقًا.

قطارنا هذه المرة يشبهنا، رتبّت مكنوناته الكاتبة كلوديا مارشيليان بتفوقٍ باهر على الذات وعناية وحبّ شديديْن.

القصة من نسجِ واقعنا، الحوارات تدخل الآذان وتخرج من الأفواه.

كلوديا قلبتْ الطاولة بهدوءٍ وعن دراسة هذه المرة، فصفعتْ المشاهدين، صدمتهم، دخلتْ لاوعيهم الممتلئ بأعباء التقاليد الباليّة والأفكار الرجعيّة المتزمتة، لتحدث تغييرًا صداميًّا، وتخلق الأسئلة التي غابت عن ساحات الأذهان، ذُعرًا أو حرجًا.

كارين (جود) تتعرّض لإمكان إصابتها بمرض سرطان الرحم بعد قضائه على حياة والدتها، النسبة تجاوزت الثمانين بالمئة، ما يعني أن جثّة الوالدة لم تكفِ المرض الخبيث، لتمتد شراهته نحوها ونحو شقيقتها التي تلعب دورها فيفيان أنطونيوس.

(جود) تقدم على محظورات قادة المجتمع ورجال دينه.. ثمّة معركتان شرستان أمامها: الأولى بمواجهة الجسد الذي ينوي نبذَ حلم أمومتها، والثانية بمواجهة المجتمع الذي يستلذ كبح حقوقها كامرأة.

معركتها مع الجسد أسهل لخصوصيّتها وفرادةِ تجربتها، المعركة الثانية غير مضمونة، واجهتها ملايين النساء بتجاربٍ لم تحمل سوى الخيبات.

اختارتْ (جود) أن تحمل سيفَها باكرًا ضد جسدها الذي خذلها، لتقرر السفر خارجًا فالانجاب عبر التلقيح الصناعي دون أن تعرف هوية الرجل الغربي الذي منحها طفلها دون امتنان، المقابل طلبه لمرة واحدة، ولو كان شرقيًا لبلغت ذكورته من وقاحة ملاحقتها وتجريمها وابتزازها عدّة مرات، ما يكفي لأن تلعن يومَ قرّرت أن تحلم!

تقابل (جود) جيري غزال (أليكو) الفقير الذي كبر وسط أجواء أسرية مضطربة، فأحاطه الحرمان وجاوره الممنوع المتمثّل بعلاقة شقيقه (يوسف حداد) بامرأة متزوجة، أجمل مكنونات واقعه شقيقته التي يصنّفها العلم من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومعها أشعرتنا الحياة أننّا من ذوي الاحتياجات الروحيّة، لشدّة عطاءات تلك الفتاة العاطفيّة ونقاء روحها، ولضآلة مشاعرنا!

الفتاة تلعب دورها غرازييلا طربيه، فتسحرنا بأدائها المتقن تحت إدارة أحد أبرز مخرجي الشرق، وهنا نقصد فيليب أسمر الشاب الذي اجتاز كلّ أنواع المنافسات!

تتفق (جود) مع (أليكو) على منحه خمسين ألف دولار، شرط أن يسجّل الفتاة التي ستنجبها على اسمه.

مبلغٌ يكفيه لدراسة علم التصوير الفوتوغرافي في الولايات المتحدة الأمريكية.

الاتفاق لمدة سنوات أربعة، يناسبه، فيخلّصه من فقره، ولا يقيّد حريته طويلًا.

سنوات أربعة كافيّة برأي (جود) لتخطط للسفر إلى كندا بخطة تسجيل فلذة كبدها على اسمها، لكنها تُصدم على عتبة المعركة الثانية مع أسرتها الثرية التي تتخلّى عنها وتنزع عنها صفتها الأرستقراطيّة وامتيازاتها، لتتحوّل إلى فتاة معدومةٍ، ذنبها أنها أنقذت حلم أمومتها من حبل الإعدام!

تُعاقب جود على قيد الحياة بسبب قرارٍ أصدم الشرقيين.

تقولُ بإحدى حوارتها: (السرقات لم تصدمكم، النفايات، الفساد، الأولاد الجائعين، فقط إنجابي دون زواج)، بحوارٍ نفسي عميق صادم أرفع كلوديا لمقام الكاتبات الكبيرات.

لكن الله لا يبالي أحكام من يدعي حمل صكوكه، وما بين المعركتيْن، منحها فاصلَ استراحة نقي تمثّل بشخصية (جورجيت درباس) التي تقمّصتها الممثلة القديرة ليليان_نمري.

تمتلك مدرسةً تسميها (مدرسة الأخلاق الطيبّة)، تطلق على نفسها لقب الشاعرة الفذّة، نسبةً لوالدها الضليع من اللغة العربيّة.

إقرأ: ليليان نمري تقارع الشباب ولمَ تتفرّد عن الأخريات؟

ليليان كعادتها تترك أثرًا غير محدود على المشاهدين، تتألّق وترفع سقف المنافسة إلى أعلى المستويات، تسحرك بقدرتها على زرع الابتسامة والدمعة بآنٍ معًا.

ممثلةٌ فائضة المشاعر، تحلّق بعيدًا خارج عن أي سرب، لا يمكن تقييد إبداعاتها، لا توجد حدود لطاقاتها، تجتاز دومًا كلّ التوقعات.

لا سقف لشغفها، بينها وبين السماء نعمة منحها إياها الله فطريًّا، اسمها: محبّة الناس.

(جورجيت) تساعد (جود) فتمنحها مأوىً لها ولابنتها بعيدًا عن اضطرابات وأحكام الشرقيين الجائرة، وتضحكنا بحواراتها العفويّة.

سنوات تمرّ ويصبح (أليكو) من المصورّين المحترفين بعده عودته، يبحث عن (جود) لنزع اسمه عن السجل القانوني لابنتها.

بعد ٣ سنوات فوق الأربعة المتفق عليها، يجدها ويحدث ارتباكًا على شخصيّة مهزومة أنهكتها معارك الحياة، تطالبه بالمزيد من الوقت، يوافق رغم تمسّكه بعلاقته العاطفية الجديدة وسعيه للزواج من امرأة أخرى.

أحداث لا تزال تسير بهدوءٍ على مهد السياق، لكنّها تشكّل بدايةً مبشّرة لنصٍّ تمرّد وخرجَ عن المألوف.

أما الصورة، فبطلُها الخفي ترجم نصّ كلوديا الأنيق لصورةٍ مبهرة على كافة الأصعدة التقنيّة والمرئيّة عبر عدسته الذكيّة والشغوفة.

عدسةٌ لفنانٍ مجبول بالإبداع من الصميم، لمخرجٍ فائق العبقريّة، لفيليب أسمر.

عبدالله بعلبكي – بيروت

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار