لبنان ليس وطنًا يخرّج الممثلات الجميلات بأشكالهن فقط كما يُتهم، وكأن الجمال أصبح جرمًا، وربما يتهموننا لأنهم لا يعرفون شيئًا عنه لذا لن نلوم جهلهم، بل يصدّر كذلك المبدعين والمبدعات والأساتذة والمخضرمين والمخضرمات.
عندما تكتفي بذكر ثنائية رفيق علي أحمد ورولا حمادة الموفقة بمسلسل (خمسة ونص)، تخرس كل الأفواه الحاقدة التي تزعم إن لبنان لم يكن يومًا وطنًا لكبار الممثلين والممثلات، وتتهم ممثلينا إنهم يعيشون على ظهور الآخرين، ويستغلون نجاحاتهم، ليتناسوا ما حققه الكبار وقتما كانوا في غيبوبة فكرية وفنية، ومنها صباح التي تفوقت في مصر ولم يستطع أحد حتّى اللحظة فعل ما فعلته، أم أنها ليست لبنانية (وما معنا خبر)؟
يلعب رفيق دورًا لرجل سياسي لبناني بارز يفقد نجله بحادث سير غامض، ما يدخل الوالدة رولا حمادة بحالة إكتئاب وحزن شديدين، ويدفع نجله الثاني من زوجته السورية (قصي الخولي: غمار) للعودة إلى لبنان بعد سنوات من غيابه، وبعدما كبر وحيدًا دون أن يتمتع بسلطات ونفوذ والده.
تلعب رولا التي تعد من أجمل ممثلات لبنان، دورًا صعبًا يتطلب منها اظهار مشاعر متناقضة بين حزنها على رحيل ابنها، وغضبها من عودة غمار الذي يسعى للسيطرة على كافة أملاك والده حسب رأيها، تعيش الانهزام أمام نصره الحديث بعد سنوات النفي والاضطهاد، وتتجه لخسارة الثروة والنفوذ بعد خسارة نجلها الوحيد الذي كان يستعد لاستلام السلطة السياسية خلف والده.
الشخصية المكسورة التي تحطيها مشاعر الخوف من الهزيمة المؤكدة أمام إبن زوجها الآتي من بعيد لكسر جبروتها وقوتها، وسلبها السلطة ونفوذها، تتناسى وجعها وتعلن حربًا عليه رغم دعم زوجها المطلق له، فتتحداه ولا تأبه، وتحاول تخريب سعادته مع زوجته (بيان) التي تلعب دورها نادين نجيم.
تدهشنا تلك القديرة بقدرتها على أداء الدور بسلاسةٍ دون أن تشعرنا بحجم صعوبته، والجهود التي بذلتها لتقديمه بأفضل صورة أمامنا، لا تضع سوى القليل من المساحيق، لا تحرك شفتيها، تشعرنا بحزنها، نحتار هل نشفق عليها أم لا؟ لا تبتسم ولا تمازح، ملامحها توحي بصرامة شخصيتها، تسير بثقةٍ رغم كل الظروف التي توحي بخسارتها لمعركتها، لكنها لا تهتم.
نبرتها التي تتحدث بها بتعالٍ مع طاقم خدمها، تظهر حزنًا بداخلها نلحظه، تجيد رولا لعب شخصية (سوزان) بكافة تفاصيلها وتناقضاتها وصفاتها، تقف كأستاذة لبنانية مخضرمة واثقة بامكاناتها أمام الكاميرا بأول أعمالها المشتركة، بعدما حققت أهم النجاحات على الصعيد المحلي اللبناني.
رولا ورفيق وقصي ونادين بعدهم، يقدمون أداءً ملفتًا، وهنيئًا لنا بالمخرج اللبناني فيليب أسمر الذي يعرف كيف يخرج أفضل ما عندهم، ويمتعنا بصورة رائعة بصريًا تظهر كل تفاصيل المشهد وتعابيرهم وانفعالاتهم وملامحهم.
عبدالله بعلبكي – بيروت