القديس شربل تخلى عن الحياة الدنيا في سن الـ 22
القديس شربل تخلى عن الحياة الدنيا في سن الـ 22

ينتشر صيت القديس شربل ومعجزاته يومياً في أصقاع العالم. مار شربل الذي لم يفرّق بين شيعي سُني ودرزي شفى بقداسته كل من طلب منه ذلك. فسمعنا أن عليّ شُفي من المرض، ومحمد انتهى من الشلل، ومعروف تحقّق حلمُه أو ظهر عليه القديس شربل وانتهى من مرض لازمَهُ طيلة حياته.

هو ما شربل القديس الذي كان محباً لله  وقد تخلى عن كلّ شيء دنيوي في الحياة، لينصرف إلى خدمة ربّه وخلاص نفسه، واليوم 22 شباط – فبراير يصادف الذكرى الـ 150 سنة على تطويبه في كنيسة مغارة القديس شربل العجائبية في بقاع كفرا.

ولمن لا يعرف من هو القديس شربل ننشر لكم قصّته كاملة:

مار شربل عاش يتيماً بعد أن مات والده وكان يعمل بالسخرة في خدمة المحتل العثماني
مار شربل عاش يتيماً بعد أن مات والده وكان يعمل بالسخرة في خدمة المحتل العثماني
  • ولادة القدّيس شربل:

ولد يوسف أنطون مخلوف في 8 أيّار – مايو سنة 1828 في منطقة (بقاع كفرا) في شمال لبنان، من والدَين مسيحيين مارونيَّين هما أنطون زعرور مخلوف وبريجيتا الشدياق. له شقيقان، هما حنّا وبشاره، وشقيقتان (كَون وورده). تلقى يوسف تربية مسيحيّة جعلته مولعاً بالصّلاة منذ طفولته. مال إلى الحياة الرهبانيّة والنسكيّة، مقتدياً بخالَيه الحبيسَين في (صومعة) دير(مار أنطونيوس) في (قزحيّا)، حيث تسلّم منهما مشعل بطولة الفضائل.

توفّي والده في 8 آب – أغسطس العام 1831 في منطقة (غِرفِين)، وهي قرية قرب عمشيت، أثناء عودته إلى منْزله، بعد أن كان يعمل بالسخرة لدى الجيش التركيّ، فربّته والدته يتيماً. ثمَّ تزوّجَت بلحّود إبراهيم الّذي أصبح كاهنًا للرعيّة، مُتَّخِذًا إسم عبد الأحد.

درس يوسف أصول اللّغتَين العربيّة والسريانيّة في مدرسة القرية. كان تقيًّا جدًّا، إلى حدّ أنّ أبناء قريته كانوا ينادونه بـ (القدّيس). وكان يوميًّا يقود قطيعه الصغير إلى المرعى، ثمّ يتوجّه إلى مغارةٍ حيث يركع أمام صورة العذراء مريم ويصلّي. وهكذا أصبحت المغارة محبسته الأولى التي أصبحت بعدئذٍ مزارًا للصلاة ومحجًّا للمؤمنين.

اتخذ اسم شربل تيمناً بأحد شهداء الكنيسة
اتخذ اسم شربل تيمناً بأحد شهداء الكنيسة
  • القديس شربل ودخوله إلى الرهبانية اللبنانيّة المارونيّة

صباح أحد أيّام سنة 1851، غادر يوسف أهلَه وقريتَه وتوجّه إلى دير سيّدة ميفوق بقصد الترهّب، حيث أمضى سنته الأولى من فترة الابتداء، ثمّ إلى دير مار مارون – عنّايا، حيث انخرط في سلك الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة، متّخذًا اسم شربل، أحد شهداء الكنيسة الأنطاكيّة من القرن الثّاني. وفي أوّل تشرين الثّاني- أكتوبر سنة 1853، أبرز نذوره الرهبانيّة في الدير نفسه وكان مطّلعًا إطّلاعًا دقيقًا على موجبات هذه النذور: الطاعة، العفّة والفقر.

أكمل دروسه اللاّهوتيّة في دير (مار قبريانوس ويوستينا) في ( كفيفان – البترون)، على يد معلّمه القدّيس نعمة الله كسّاب الحرديني، الذي كان قدوةَ الرهبان وصورةً حيّةً عن كبار الرهبان القدّيسين في حياته الخاصّة والعامّة.

طلب الأب شربل من الخادم أن يملأ له السراجَ زيتًا
طلب الأب شربل من الخادم أن يملأ له السراجَ زيتًا
  •  شربل وحياته في دير مار مارون – عنّايا وفي محبسة مار بطرس وبولس

عاش الأب شربل في دير مار مارون – عنّايا مدّة 16 سنة، كان فيها مُطيعًا لرؤسائه، حافظًا قانونه الرهبانيّ بدقّة، كما أنّه كان قاسيًا على نفسه بالتقشّف والإماتات. في مطلع العام 1875، ألهم اللهُ الأبَ شربل بالاستحباس في محبسة مار بطرس وبولس التابعة لدير مار مارون – عنّايا، رغم عدم سماح الرؤساء بذلك بسهولة، أي بالاعتزال في المحبسة. وبينما كان الأب الرئيس متردّدًا، أتَتْه علامةٌ من السماء تَمَثَّلَت بآية السراج. فذات ليلةٍ، طلب الأب شربل من الخادم أن يملأ له السراجَ زيتًا، فملأه ماءً بدلاً من الزيت. فأضاء السراج بشكل عاديّ. هذه الآية افتتحت سفر العجائب الشربليّة، وقرّبت يوم صعود الحبيس إلى منسكه المشتهى.

في 15 شباط – يناير سنة 1875، إنتقل الأب شربل نهائيًّا إلى المحبسة، حيث كان مثال القدّيس والنّاسك، يمضي وقته في الصمت والصّلاة والعبادة والشغل اليدويّ في الحقل، وما كان يغادر المحبسة، إلاّ بأمرٍ من رئيسه. وقد نهج فيها منهج الآباء الحبساء القدّيسين، راكعًا على طبقٍ من قصب أمام القربان، يناجيه ويسكر إيماناً فيه طوال اللّيالي.

فُتِحَ قبرُ الأب شربل، بحضور اللّجنة الرّسميّة مع الأطبّاء، فتحقّقوا من سلامة الجثمان
فُتِحَ قبرُ الأب شربل، بحضور اللّجنة الرّسميّة مع الأطبّاء، فتحقّقوا من سلامة الجثمان

أمضى في المحبسة 23 عامًا، منصرفًا إلى خدمة ربّه، متمّمًا قانون الحُبساء بدقّة ووعيٍ كاملٍ. أثناء احتفاله بالذبيحة الإلهيّة في 16 كانون الأوّل – ديسمبر سنة 1898، أصيب بداء الفالج، ودخل في نزاع استمرّ ثمانية أيّام، قاسى خلالها آلام الاحتضار هادئًا، ساكنًا على الرغم من الأوجاع المبرّحة. في نزاعه لم يبرح الأب شربل يردّد الصلاة التي لم يستطع أن يكملها في القدّاس: “يا أبا الحقّ، هوذا ابنك ذبيحة ترضيك!. “وكذلك إسم يسوع ومريم ومار يوسف، وبطرس وبولس شفيعَي المحبسة. وتوفي القديس  في 24 كانون الأوّل 1898، عشيّة عيد الميلاد. ودفن في مدافن دير مار مارون – عنّايا.

  • النور العجيب الّذي سطع من قبره

بعد وفاته، تصاعدت من القبر أنوار روحانيّة كانت سببًا بنقل جثمانه الذي كان يرشح عرقًا ودمًا إلى تابوت خاصّ، بعد إذن البطريركيّة المارونيّة، ووُضِع في قبرٍ جديد، داخل الدير. عند ذلك، بدأت جموع الحجّاج تتقاطر لتلتمس شفاعته، وكان الله يُنْعم على الكثيرين بالشفاء والنعم الرّوحية.

في العام 1925، رُفِعَت دعوى تطويبه وإعلان قداسته إلى البابا بيّوس الحادي عشر، على يد الأباتي إغناطيوس داغر التنّوري، ووكيله العامّ الأب مرتينوس طربَيه، حيث قُبِلَت دعواه مع الأب نعمة الله كسّاب الحرديني والأخت رفقا الريّس سنة 1927. وفي العام 1950  فُتِحَ قبرُ الأب شربل، بحضور اللّجنة الرّسميّة مع الأطبّاء، فتحقّقوا من سلامة الجثمان، وكتبوا تقريرًا طبّيًّا ووضعوه في عُلبةٍ داخل التابوت. فتزايدت حوادث الشّفاءات المختلفة بصورة مفاجئة ومذهلة. وتقاطرت عشرات الآلاف من الحجّاج على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم إلى دير عنّايا يلتمسون شفاعة القدّيس.

أصبح ضريح مار شربل يجذب الناس إليه وتساوى الجميع أمامه بالخشوع والابتهال، من دون تفريق في الدين أو المذهب أو الطائفة.
أصبح ضريح مار شربل يجذب الناس إليه وتساوى الجميع أمامه بالخشوع والابتهال، من دون تفريق في الدين أو المذهب أو الطائفة.
  •  إنتشار فضائل ومعجزات القدّيس شربل في كافّة أنحاء العالم

تخطّت معجزات مار شربل حدود لبنان، وما مجموعة الرسائل والتقارير المحفوظة في سجلاّت دير مار مارون – عنّايا إلاّ دليلاً واضحاً على انتشار قداسته في العالم كلّه. لقد أحدثت هذه الظاهرة الفريدة عودةً إلى الأخلاق الكريمة ورجوعًا إلى الإيمان وإحياءً للفضائل في النّفوس، وأصبح ضريح مار شربل القطبَ الذي يجذب الناس إليه على اختلاف طبقاتهم وأعمارهم، وقد تساوى الجميع أمامه بالخشوع والابتهال، من دون تفريق في الدين أو المذهب أو الطائفة. كلّهم عنده أبناءَ الله يُدعَون.

أمّا الأشفية المسجّلَة في سجلاّت دير مار مارون – عنّايا التي اجترحها الربّ بشفاعة القدّيس شربل، فهي تتعدّى عشرات الآلاف، ما عدا الأشفية المنتشرة في كلّ العالم ومع كلّ الألوان والأديان والطوائف، وهي غير مسجلّة في سجلاّت الدير. عشرة بالمائة من الأشفية تمّت مع غير المعمَّدين، وقد تمّ كلّ شفاء بطريقة خاصّة، إمّا بالصلاة وطلب الشفاعة، وإمّا بالزيت والبخور، وإمّا بورق سنديانات المحبسة، وإمّا من التراب المأخوذ عن قبره، وإمّا بزيارة ضريحه ولمس باب قبره، وإمّا بواسطة صورته وتمثاله.

عشرة بالمائة من الشفاءات تمّت مع غير المعمَّدين
عشرة بالمائة من الشفاءات تمّت مع غير المعمَّدين
Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار