شهد سعر الذهب (XAU/USD) مكاسب جديدة خلال الجلسات الأخيرة، حيث تجاوز حاجز 2600 دولار لأول مرة ويتداول اليوم الجمعة بالقرب من 2613 دولار. ويعود هذا الارتفاع إلى عدة عوامل اقتصادية وجيوسياسية، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل الذهب كملاذ آمن وسط التوترات الحالية. لذا سأتحدث عن أهم المؤثرات التي تدعم أسعار الذهب والسيناريوهات المحتملة للمستقبل.
من وجهة نظري، يأتي الارتفاع الأخير في أسعار الذهب بعد قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بشكل غير متوقع، مصحوبًا بتوقعات بخفض إضافي قدره 50 نقطة أساس بحلول نهاية العام. وهذا الخفض المفاجئ أسهم في تقليل عوائد سندات الخزانة الأمريكية، مما قلل من جاذبية الدولار الأمريكي. لذاأرى أن ضعف الدولار هو أحد العوامل الرئيسية التي تغذي الطلب على الذهب كبديل استثماري غير مُدر للعائد. فالذهب، رغم عدم تقديمه لعوائد مالية مباشرة، يبقى جذابًا للمستثمرين الذين يسعون إلى حماية أموالهم في ظل تراجع العوائد من الأصول الأخرى.
اقرأ: الذهب يكمل مكاسبه وسط تفاقم الاوضاع في الشرق الاوسذ
وإلى جانب خفض الفائدة، تبرز المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصادين الأمريكي والصيني كعامل مهم يدعم ارتفاع الذهب. حيث يعتبر التباطؤ في أكبر اقتصادين في العالم إشارة إلى دخول مرحلة ركود محتملة، مما يعزز الطلب على الأصول الآمنة مثل الذهب. برأيي، هذه المخاوف الاقتصادية، وخاصة فيما يتعلق بتباطؤ التصنيع في الصين وضعف مؤشرات النمو في الولايات المتحدة، تعزز من ارتفاع الذهب في المدى القريب، لكن قد يحد من الارتفاعات المستقبلية استمرار الأوضاع الاقتصادية السلبية، ما يضع ضغطًا على الأسواق المالية بشكل عام.
ولا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه التوترات الجيوسياسية في دعم ارتفاع أسعار الذهب. فالتوترات المستمرة في الشرق الأوسط، إلى جانب الحرب الروسية الأوكرانية، تضيف مزيدًا من عدم الاستقرار إلى الأسواق. ومن وجهة نظري، تزايد المخاطر الجيوسياسية يدعم مركز الذهب كملاذ آمن، حيث يسعى المستثمرون إلى حماية أصولهم من التقلبات الاقتصادية والسياسية. وإذا استمرت هذه التوترات، فمن المرجح أن نرى المزيد من الارتفاعات في أسعار الذهب، خاصة في ظل عدم وضوح الأفق السياسي في الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
اقرأ: الذهب يواصل مكاسبه التاريخية
أيضاً، على الرغم من البيانات الاقتصادية الإيجابية في الولايات المتحدة، مثل انخفاض طلبات البطالة الأسبوعية إلى أدنى مستوى لها منذ مايو وارتفاع مؤشر التصنيع في فيلادلفيا، لا يزال الدولار الأمريكي تحت الضغط. ويرى المستثمرون أن خفض الفائدة الكبير من قبل الفيدرالي قد يؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي على المدى الطويل، وهو ما ينعكس إيجابيًا على أسعار الذهب. أما أنا فأرى أن هذه المفارقة تشير إلى أن الأسواق ليست مقتنعة بقدرة الدولار على الصمود أمام خفض الفائدة المستمر، مما يوفر دعمًا إضافيًا لسعر الذهب.
ومن العوامل الأخرى التي تدعم الذهب توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن انخفاض أسعار الفائدة إلى 3.4% في عام 2025 و2.9% في 2026. فهذه التوقعات تشير إلى بيئة نقدية أكثر تساهلًا في السنوات المقبلة، مما يزيد من جاذبية الذهب كأصل استثماري طويل الأجل. وفقًا لرأيي، هذه التوقعات تعزز من إمكانية استمرار ارتفاع الذهب على المدى الطويل، حيث أن التوجه نحو خفض الفائدة سيضعف الدولار الأمريكي ويدفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة.
أيضاً يجد سعر الذهب دعمًا إضافيًا من مشتريات البنوك المركزية في آسيا وروسيا للذهب بهدف تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي. وهذا التوجه يشير إلى تحول استراتيجي في الاقتصادات الناشئة نحو تعزيز احتياطاتها من الذهب كوسيلة لتحصين نفسها من تقلبات الدولار. وأرى أن هذا الاتجاه قد يعزز من الطلب على الذهب في الأمد الطويل، خاصة مع استمرار التوترات السياسية والاقتصادية التي تؤثر على الدولار كعملة احتياطية.
اقرأ: مصير الذهب قبيل صدور تقرير الوظائف
وفي النهاية من الناحية الاساسية، يبدو لي أن الذهب مستعد لمواصلة ارتفاعاته في الأمد القريب، مدعومًا بضعف الدولار والمخاوف الاقتصادية والجيوسياسية. لكن من المهم مراقبة تطورات السوق بحذر ودقة، حيث أن أي تغييرات في السياسات النقدية أو تهدئة التوترات الجيوسياسية قد تؤدي إلى تصحيح في أسعار الذهب. لذا أعتقد أن المستثمرين والمتداولين يجب أن يبقوا حذرين من أي تراجع محتمل في الأسعار، مع استغلال الفرص المتاحة في حال استمرت الاتجاهات الحالية في دعم ارتفاع اسعار الذهب.