إنتهى الجزء الأول من مسلسل (ما فيي) إخراج السورية رشا شربتجي وإنتاج شركة الصباح، والذي أثار إنقسامًا حادًا بالآراء بين معجب بالخلطة الدرامية التي جمعتالنجوم اللبنانيين والسوريين، وبين منتقد لم يعجب بأداء بعضهم، ولم يره يستحق الضجة والحملة الإعلامية والإعلانية التي روّجت لها شاشة (MTV).
دارت الأحداث في المسلسل حول جريمة قتل غامضة يتعرض لها والدا الممثل السوري معتصم النهار، تُتهم بها أسرة الممثلة فاليري أبو شقرا، سببها علاقة غرامية قديمة جمعت والدة معتصم بوالد فاليري لم ترضِ عائلته. يقرر معتصم الإنتقام من عائلتها، لكنه يجد نفسه أسيرًا لعلاقة حب معها، فيتحول الإنتقام إلى غرام.
السيناريو متأثر بالإيقاع التركي وبأجواء الأعمال التركية التي تقوم كلها على الانتقام وأخبار الماضي، وفيه من المماطلة وتداخل بعض الأحداث الدرامية بشكلّ غير متناسب ما يعل القلب، كعقدة كل الأعمال اللبنانية-السورية المشتركة التي تعرض العلاقات الإجتماعية بين شخصياتها- المتعددة الجنسيات- بشكل غير منطقي، إن إستثنينا حضور الممثل السوري القدير رشيد عساف في مسلسل (الباشا)، والذي كان مبرَرًا نسبة للحقبة الزمنية.
النقاط الجيدة التي ناقشناها في المكتب حول المسلسل، كانت:
أولًا، تكرر كلوديا مرشليان نفسها وتنسخ التركي وتسقط أمام تفوق الأستاذة كارين رزق الله كونها أكثر من يصوّر حقيقة المجتمع اللبناني عبر نصوصها..
الأمر الذي يجعل كلوديا كاتبة بأربع نجوم، ولن تصبح بخمسة مهما تاجرت في النصوص إلا إذا كرست المزيد من التركيز والإهتمام للعمل الواحد، بدل من الإستجابة لجميع عروض المنتجين عليها، وبالتالي تحويل المهنة إلى تجارة وأموال وعلب سردين وأكياس بطاطا.
2 – موهبة المخرجة السورية رشا شربتجي اللافتة، وقلناها بالمكتب دون إحراج، المخرج السوري يجيد مهمة إدارة الممثل ولا يترك له العنان.
عرفت رشا ما تُخرج من كلّ ممثل، شعرنا بإضافاتها على كلّ الشخصيات، رشا قارئة ومثقفة ومطلّعة على علوم النفس ولديها شغف بالتمثيل المسرحي، أمر إنعكس على مدى نجاحها في أداء دورها كمخرجة.
3 : أداء الممثلة القديرة ليليان نمري، والتي جسّدت دور (تفاحة) الفكاهي بإبداعٍ، والذي أبعدنا قليلًا عن أجواء الجدية التي طغت على العمل، وباتت (تفاحة) أكثر الشخصيات قربًا من المشاهد رغم صغر مساحة دورها.
ليليان ممثلة بارعة تحبها الكاميرا، وتصل إلى القلوب بسهولةٍ عبر عفويتها وشغفها الكبير بالتمثيل والذي نشعر به، وتضع بصمتها أينما حلّت، ومهما كبرت أو صغرت مساحة دورها.
4 : أداء زينة مبكي المبهر لشخصية (يمنى) المركبة والتي تتعاطى المخدرات، وتعاني من أزمات نفسية، والذي فاجأت عبره النقاد والمشاهدين، وتفوقت على نجمة العمل الأولى فاليري أبو شقرا، لتترقى من صف إلى صف أعلى من النجومية في عالم التمثيل.
5: تجسيد كارلا بطرس لدور (هالة) والدة فاليري الهادئة والخاضعة والمضطهدة لأوامر زوجها ووالده، قبل أن يتغير جلدها مع نهاية المسلسل لتظهر حقيقة اقترافها لجريمة قتل عشيقة زوجها (سوسن) والدة معتصم منذ عشرين سنة، والتي دار حولها غموضٌ كبير منذ الحلقات الأولى.
كارلا تماهت مع الشخصية، درّبت نفسها ولعبت على لغة جسدها لتوصل صورة المرأة المستسلمة، ومنها مثلاً نبرتها المنخفضة ونظراتها التي تخفي آلام الخضوع، وعدم الإستقلالية وضياع الأحلام، وضعفها الذي بدا على كل ملامحها، قبل أن تتبدل كليًا لتصبح المجرمة والقاتلة وسبب المعاناة كلّها.
كارلا أستاذة تمثيل، ودور (هالة) شكّل لها نقلةً نوعيةً بمسيرتها.
6: حضور القدير أحمد الزين الذي فرض موهبته وأدى كما نجوم هوليوود الكبار دوره ببراعةٍ وإتقانٍ، ليقنعنا ونحبه بشروره، فالممثل الجيد من يجذبك بأدوار الشر، ولا يكتفي بكسب العاطفة السهلة بدور المظلوم والمحب والمضطهد.
إلا أن رحيله الذي رجح ميزان الخير على الشر في الحبكة الدرامية، أفقدها عامودًا مهمًا ساهم في متانتها، ليفقد المشاهد حماسه بمتابعة المسلسل، ولتنخفض بذلك نسب المشاهدة.
والنقاط السلبية برأينا كانت:
أولاً: الأداء الضعيف لبطلة المسلسل فاليري أبو شقرا، والتي تتدرب جيدًا لإحرازها تقدمًا في الجزء الثاني من المسلسل.
لم تقنعنا فاليري بمشاهدها وبدا تفاعلها مع الكاميرا ضعيفًا، رغم عفويتها وجمالها، إلا أنها تعاني من خجلٍ واضحٍ يمنعها من التحرر من ذاتها والدخول إلى عالم الشخصية الوهمية والإندماج مع الممثلين الآخرين.
ثانيًا: ضعف الكيمياء بين فاليري ومعتصم رغم موهبته ونجاحه بالدراما السورية، إلا أن أداءه جاء جافًا وغير مقنعٍ على غير عادته، ولم يقنعنا بمشاهد الحب والرومانسية معها، الأمر الذي يوثق أهمية وتأثير المبارزة بين ممثلين بارعيْن يتبادلان طاقاتهما ويستمدان القوة من بعضهما، لإستخراج مشهد قوي ومحترف بينهما.
الجزء الثاني بدأت كلوديا بالإستعداد لكتابته، وعليها أن تكتب على ضوء ما أحبه المشاهدون لضمان نجاحه وتجنب عثرات الجزء الأول، كتوسيع دور (تفاحة) مثلًا، وزيادة عنصر التشويق بالحلقات، والإبتعاد عن المماطلة والحشو ولو كان هدفهما إنتاجيًا، وعلى فاليري بالمقابل أن تتدّرب جيدًا عبر فريق مختص لتطوير أدائها، كي لا يتحول إلى نكسة كبيرة تبعدها عن التمثيل.
عبدالله بعلبكي – بيروت