عندما نتخذ قراراً بمشاهدة عمل مصريّ، لا نتوقع غالباً إلا أننا سنكون أمام محطة تصريف قيّمة للوقت، وأننا سنشاهد ملحمة دراميّة مدهشة، لأنّ الدراما المصرية عموماً لم تنجب خلال سنوات طويلة، سوى أعمالاً قيمة تليق بالمبدعين فيها، من كتاب ومخرجين وممثلين وممثلات، إلا ما ندر.. وها نحن أمام ما ندر!
إني أتحدث عن مسلسل (مملكة إبليس)، عمل من 15 حلقة، تعرضه (شاهد) حصرياً عبر منصاتها، من ضمن إنتاجاتها الخاصة. العمل كتبه محمد أمين راضي، وأخرجه أحمد خالد موسى، وأنتجه طارق الجنايني، ليشارك ببطولته كل من غادة عادل، أحمد داوود، رانيا يوسف، سلوى خطاب، إيمان العاصي وغيرها من الأسماء التي تعدك بعمل مختلف، على وزن الدعاية التي رصدت له، والتي صورته على أنه عمل ثقيل في قيمته الدرامية ومضمونه الدسم.. لكنّ العمل جاء مخيباً جداً، سطحياً، لا هوية له، تائهاً بين الدراما والكوميديا التي لم يبرع فيها أربابها لأول مرة!
المفاجئ أنّ من كتب (السبع وصايا) و(نيران صديقة) لا يمكن أبداً أن يكون هو نفسه من كتب (مملكة إبليس) وإلا فليخرج وليتبرأ الآن من المخرج أحمد موسى، الذي في حال لم يلتزم بنصّ محمد أمين راضي، فيكون قد شوّه عملاً، كان يجب أن يكون مساحة لعب خطيرة بين نجوم العمل، بما أنّ المشروع يتناول قصة حي شعبيّ، فيه الكبير الذي يُخيف المنطقة ويرعبها، والذي يُقتل في الحلقة الأولى، ليترك عائلته أمام وحوش الحارة الذين يجتهدون للانتقام من بطش الكبير، بأن يسلبوا حقوق عائلته ويعتدوا عليها.
لم نرّ في الحلقات التي استطعنا تكبد معاناة مشاهدتها، والتي لم تتعدّ الخمسة، سوى تهريجاً، في مشاهد لا هي كوميديا تُضحك، ولا هي دراما تُبكي، بل هي محاولات يائسة للجمع بين النمطين، مع موسيقى تصويرية لا تصلح لفيلم كرتون، أضف إلى ذلك الأداء المبالغ به، والسيء، والسطحيّ لمعظم نجوم العمل.
بداية بغادة عادل، التي لم أستطع يوماً أن أرى فيها نجمة دراما، فهي قدمت في مسيرتها بعض الأعمال الكوميدية الخفيفة، لكنها يوماً لم تترك بصمة، ولم تستطع أن تناطح بموهبتها بنات جيلها (أو ربما لم تأتها الفرصة) فلم تستطع الوقوف إلى جانب نجمات مصر المتصدرات كنيللي كريم، ويسرا، ومنة شلبي، وغادة عبدالرازق وهند صبري وغيرهنّ. أنا هنا لا أقلل من قيمة غادة، لكنها يوماً لم تجتهد لتقدم مادة مختلفة، ويوماً لم تخرج من عباءة تكرار الإفيهات والـ “ريأكشينات” ويوماً لم تستغل أدوات موهبتها بالشكل الصحيح، فهي نفسها في كل أعمالها Copy Paste!
أحمد داوود كان المفاجأة، فهذا الممثل الجميل والموهوب، سقط في عمل لا يليق بقامة موهبته، فظهر بليداً، مكرراً، ضعيفاً وتائهاً في ساحة حرب لا قائد فيها.
مشاهد سلوى خطاب غنية بالـ “أوفرة”، لا شيء جديد في أدائها منذ شاهدناها أول مرة على الشاشة. أما كبير الحارة، وهو ممثل يبدو أنه حديث المهنة، لأننا لم نتعرف على هويته، فبدا ضعيفاً جداً. أداؤه سيء بكل ما تعنيه الكلمة، والمبالغة سيدة الموقف في كل ما قدمه في شخصية رجل بطاش يحكم الحيّ، فذكرنا بشخصيات أفلام الكرتون، وكأنه توم الذي يريد أن يتحكم بحياة جيري ولا يفلح.. نعتذر على الإساءة لتوم، فالشخصية الكرتونية أكثر إقناعاً وموهبة من كبير حارة ممكلة إبليس!
العمل الذي عليك أن تدفع لخدمة الـ Vip في منصة شاهد، لا يستحق فلساً لمشاهدته، وجاء عكس معظم أعمال (شاهد) القيمة والمميزة، التي تحقق نجاحاً كبيراً في الشارع العربي، في زمن الديجيتال ودراما الأونلاين الممتعة!
أخيراً، نكاد نجزم أنّ إبليس يجلس في زاوية حارة (مملكة إبليس) يلطم ويندب حظه، لأنّ من أرادوا أن يجسدوا حكاية من حكاياته، أبدعوا في تسطيحه، ليقدموا مادة درامية سيئة جداً، يجب أن تشطب من ملف الدراما المصرية الغنيّ بأهم الأعمال، ومن تاريخ الممثلين المشاركين، الذين دفعوا ثمن نصّ أهبل، وإخراج كارثيّ ومحاولة يائسة لتقديم عمل ممتع!
إيلي خوري – بيروت