نظّم اتحاد الحراك المدني بالتعاون مع اتحاد بلديات المنية وبلدية دير عمار في قاعة المؤتمرات في البلدية ندوة بعنوان مخاطر المحارق والإدارة المتكاملة للنفايات حاضرت فيها الدكتورة فيفي ناصيف الكلاّب، وحضرها حشد من المهتمين.
بعد الترحيب بالحضور شكرت منسقة الإتحاد ناريمان الشمعة اتحاد بلديات المنية وبلدية دير عمار تعاونهم واستضافتهم وتحدثت عن سبب إنشاء اتحاد الحراك المدني وقالت: (عملنا منذ 2013 على ملف النفايات ضمن نطاق اتحاد بلديات الفيحاء إلا أن ترابط هذا الملف وامتداده على مساحة الوطن والقرارات العشوائية الهادفة لتنفيذ المطامر والمحارق دون مراعاة للمعايير البيئية دفعتنا لتوجيه الدعوة لتوحيد صف العاملين على هذا الملف من مجتمع مدني وخبراء بيئين ومحامين وإعلاميين على مستوى الشمال وباقي المناطق من أجل مواجهة علمية قانونية شعبية حفاظاً على بيئتنا وصحة الناس).
أضافت: (أما بشأن النفايات التي وضعت في جبل تربل فوق المياه الجوفية لمليون مواطن، باشرنا بتقديم طلبات للبلديات المعنية للتحرك من أجل إزالتها ونقلها إلى أي موقع معدّ بالفعل كمطمر).
حكى رئيس اتحاد بلديات المنية و بلدية دير عمار خالد الدهيبي: (ملف النفايات حديث الساعة في كل لبنان وليس فقط في الشمال، وإنما برزت الأزمة عندنا مؤخراً بعد إقفال مكب عدوة الذي استمر 17 عاماً يخدم الأقضية الأربعة إضافة إلى عكار. حينها فقط أدركنا حجم المشكلة ومنذ أربعة أشهر ونصف إلى اليوم تتأزم المشكلة أكثر فأكثر. نحن نعمل الآن على مستوى اتحاد بلديات المنية لحل المشكلة. لدينا معمل فرز للنفايات منذ 6 سنوات، إلا أنه لم يكن يعمل كما يجب. باستثناء الحديد والكرتون كانت تذهب كل النفايات إلى المكب وهذا أمر مزعج جداً. ولكننا نتعلم من الماضي ومن التجارب الناجحة لذا قصدنا معمل الفرز في بعلبك للإطلاع على تجربتهم لأنهم يملكون نفس المعدات من نفس الجهة المانحة ويتميزون بحسن الإدارة).
تابع:(أرى بما لنا من معرفة من خلال العمل البلدي منذ 2010، إن المطمر الصحي الحل الأسرع إلى جانب معمل الفرز وحصلنا مؤخراً على موافقة لتشغيله من وزارة التنمية الإدارية بعدما رست المناقصة على شركة AMB التي تدير معمل اتحاد بلديات الفيحاء. وسنحرص على إلزامها بدفتر الشروط. كما أننا رفعنا كتاباً لوزير البيئة لإجراء دراسة أثر بيئي لأربعة عقارات محيطة بالمعمل، واخترنا هذه المواقع تجنباً لنقل النفايات على الطرقات. فإن حصلنا على موافقة لأحدها باشرنا فوراً برفع النفايات من الشوارع وفرزها، ونطلب من الجميع أن يقفوا مع اتحاد بلديات المنية ومع أنفسهم).
الدكتورة فيفي الكلاّب استهلت حديثها حول أزمة النفايات والحلول البديلة، وأفاضت حول تصنيف النفايات المنزلية وطرق التخلص منها وأشارت إلى أن النفايات العضوية كفضلات الطعام تشكل بين 50 إلى 60 في المئة وتتحلل بمنتهى السهولة ولها استخدامات عديدة من خلال التسبيخ إما لدعم التربة أو تغذيتها. أما النفايات التي يمكن إعادة استعمالها أو تدويرها تتراوح نسبتها بين 25 و30 في المئة. كالورق والكرتون١٥-١٧٪، البلاستيك ١٠-١٣٪، الزجاج ٣-٤٪، معادن ٥-٦٪.، أخرى ١٠-١٢٪.
روت إن النفايات الخطرة كالنفايات الطبية على أشكالها ونفايات المسالخ والنفايات الالكترونية والبطاريات وعبوات المبيدات الزراعية وعبوات التنظيف والدهانات واللمبات تشكل حوالي 3 إلى 5 بالمئة ولا يصح أن تطمر مع النفايات الأخرى، بل أن يجب أن يخصص لها مطمراً خاصاً، ويكفي لذلك تخصيص مطمر واحد لكل لبنان. أما ما يخرج عن التصنيفات السابقة فتسمى العوادم ولا تشكل أي خطورة بحيث يمكن طمرها بأي موقع.
تناولت المحارق تفصيلياً مستندة إلى دليل صانعي القرار الصادر عن البنك الدولي، وحكت إنها لا تعد خياراً صحيحاً إلا في حال عدم توفر تقنيات أكثر بساطة وأقل تكلفة. ففي لبنان هي عملية مستخدمة للطاقة وليست منتجة لها، كما يروج، كون نفاياتنا غير ذات قيمة حرارية، بل يلزمها المزيد من الطاقة لتجفيفها كي تحترق كلياً. لذلك نصح استشاري وزارة البيئة بحرق البلاستيك والورق والزجاج والحديد. من المعروف أن المحارق و خاصةً الحديثة منها أغلى حل للتخلص من النفايات. تكمن المشكلة في عدم إمكانيّة جعلها مستدامة. اذ انها تفرض أعباء ماليّة ضخمة على المجتمعات المحليّة، ولا تختصر المصاريف على ثمن التجهيزات وقطع الغيار، بل تتعداها إلى كلفة الفلاتر والتخلص من المياه الملوثة وطمر الرماد السام، ومصاريف صيانة باهظة غير متوقعة لا تحتسب عادة في كلفة المحارق. كما أن التقنيات التي تُستعمل لتخفيف تلوّث الهواء تزيد من تلوّث الرماد و كلما كانت السيطرة على التلوث أكبر كلما زادت الكلفة، لذا ليست بمقدور إلا الدول الغنية. إذ تتراوح كلفة أجهزة الرقابة بين ٣٠ إلى ٥٠ بالمئة من ثمن المحرقة. كما تتطلب تأمين سيولة دائمة بالعملة الأجنبية cash flow بدون أي عائق لشراء قطع الغيار بسرعة.
هذا وتحتاج المحارق لإجراء فحوصات مستمرة باهظة الثمن لأهم الملوثات المسرطنة الناتجة عنها كالديوكسين وغيرها، لكن القليل من البلدان تملك الموارد التقنية لإجرائها.
غالبًا ما يضخم مردود الطاقة المستخرجة لتسويق المحارق، مما اضطر العديد منها في أميركا لزيادة سعر الكهرباء المباعة للشركات لتعويض الخسارة.
إن الثمن الأكبر للمحارق الكلفة الصحية والبيئية على العاملين في المحرقة كما على القاطنين بقربها وحتى البعيدين عنها من جراء تناثر الرماد السام المشبع بالمواد المسرطنة والمياه الملوثة، ونادراً ما تحتسب الكلفة الصحية نظراً لصعوبة تقديرها الكمّي حسب رأيها.
تابعت: (أما لناحية صعوبة التشغيل والصيانة فالبلدان الصناعية لديها تجربة تشغيل مليئة بالمشاكل التقنية والمالية، إذ أن عملية الحرق تقنية معقدة تتطلب خبرات عالية ومتخصصة بالرقابة وبالتشغيل لا يمتلكها لبنان لذلك ينصح الإستشاري بمحرقة واحدة بينما تصر الخطة على إنشاء أربعة محارق).
أضافت: (أما لناحية التلوث، تحتوي الانبعاثات التي تصدر منها عن طريق الدخان أو الرماد المترسب على اكثر من ٢٠٠ ملوث بينها الديوكسين التي توثق منظمة الصحة العالمية أنها من أخطر المواد المسرطنة المعروفة، علماً أن معظم كميات الديوكسين تنتج في فترة ما بعد الإحتراق. أما النقطة الأهم والأخطر: سينتج من المحارق ٢٠% من رماد من أصله 5% Fly Ash وهي مواد سامة ينبغي معالجتها وفق طرق خاصة قبل طمرها. على سبيل المثال، يتم ترحيل هذه المواد السامة الناتجة عن مراكز التفكك الحراري في الدول الأوروبية إلى مطامر خاصة لهذا الغرض في ألمانيا والنروج. فأين ستطمر في لبنان؟).
روت: (إن المواد التي ستوضع في المحارق كالبلاستيك والحديد والورق ونفايات الحدائق لها قيمة أكبر إذا ما إستعملت كمواد خام بدل إستعمالها كفيول للمحارق. بالفرز يمكن إسترداد 400 دولار لكل طن من البلاستيك، و 1300 دولار لكل طن من التنك، وهناك الورق والكرتون).
أكملت: (الخطة تنص على إسترجاع الحديد والزجاج من الرماد. فهل من المنطق أن ندفع (100$/طن) لنحرق هذه المواد ثم نعود وندفع لإسترجاعها من الرماد بينما يمكننا إستردادها دون أية كلفة؟).
لفتت إلى أن المحارق لا تؤمن يد عاملة إذ أنها تعتمد على رأس المال والتقنيات والخبرات الأجنبية من خبراء واستشاريين متخصصين في عملية التشغيل والصيانة والمراقبة في حين أن إعادة التدوير يعتمد على قليل من رأس المال والكثير من اليد العاملة المحلية.
كما أن الأموال التي ستُصرف على المحارق مصدرها الصندوق البلدي المستقل، وهذه الأموال تحتاجها البلديات بشكل كبير من أجل إنماء مناطقها وخلق فرص عمل فيها.
المحارق تتعارض مع الإتفاقيات الدولية مثل اتفاقية ستكهولم التي صدقها البرلمان اللبناني عام 2002، والتي تنص أن جميع محارق النفايات تشكل مصادر أساسية للديوكسين وال PCB والفوران وهي مواد مسرطنة. وتعهدت فيها الحكومات بإلغاء هذه المواد الخطرة واللجوء إلى وسائل بديلة لإدارة النفايات التي تحول دون إنتاجها بحلول سنة ٢٠٢٥.
كما أنها تتعارض مع التنمية المستدامة لأنها تشجع على الاستهلاك، وتعيق الجهود المبذولة لتقليل إنتاج النفايات، وتحول دون الفرز وتعيق التدوير .
القوانين والمعايير عندنا منسوخة عن تلك الموجودة في البلدان الصناعية المتقدمة دون اي دراسات جدية عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتقني ومستوى المهارات والبنية الإدارية المحلية لبلدنا حسب وصفها.
الدكتورة قالت إن هناك شروط أساسية اذا ما توفرت وجب التخلي عن المشروع فوراً، من بينها:
لتجنب الصدام، يجب إعلام وإشراك المجتمع في جميع مراحل المشروع خاصة في مرحلة التحضير والتخطيط، وهذا الشرط لم يتحقق. وأن يكون بنية ومقدور السلطات والشعب تحمل أعباء زيادة الكلفة : ١٠٠ $/ طن للمعالجة يُزاد عليها أجرة الكنس والجمع والنقل من قبل البلديات، علماً أن استملاك الاراضي والبناء وثمن الانشاءات تقع على عاتق الدولة.
أنهت الكلاّب حديثها بعرض ملخص للخطة المقترحة المرتكزة على سياسة إدارة المواد واستردادها، والتي تستوجب الإبقاء على معامل معالجة فرز النفايات وتسبيخ المواد العضوية وتطوير معامل تدوير البلاستيك والورق والمعادن والزجاج، أما ما تبقى من مواد خطرة يمكن تعقيمها ومن ثم كبسها وطمرها فلا تعود تؤثر على المياه السطحية والجوفية والتربة. أما المواد غير القابلة للتدوير كالبطاريات والنفايات الالكترونية يمكن إعادة تصديرها من خلال استردادها من المستورد عبر سياسة حوافز وضرائب جمركية. وبذلك تبقى العوادم الخالية من الروائح والانبعاثات والمياه المبتذلة أقل من 20 بالمئة، وتعد أقل من حجم الرماد الناتج عن الحرق.
ثم ناقشت الحضور الذي شدد على ضرورة اعتماد الإدراة المتكاملة للنفايات ورفض المحارق والتصدي لها.