23 يوليو – تموز 2016 وفي الساعة العاشرة والنصف صباحاً تركت المكان الذي هربنا إليه لأرافق زميلاً لي (جو معلوف كان يعمل معي في تلفزيون الجرس) وأراد أن يزور بيته في إحدى المناطق الأكثر أماناً في لبنان.

كان قلبي يشتعل، إنذار هو أو إحساس أو ما لم يفسره العلم بعد.. كنت متأكدة أن أحداً من أهلي مات.. ورددت مراراً أطلب من جو أن يأخذني بسيارته إلى أي مكان تتوفر فيه تغطية لشبكة هاتف السالولير كي أتمكن من الاتصال بأهلي. جو ارتبك وصدق وساعدني، وتمكنا من الإتصال بالعائلة وكانوا في دوحة عرمون ويستحيل الوصول إليهم. أجابني شقيقي طارق أن الكل بخير ولم أصدقه إلا بعد أن أقسم لي. أقفلت الهاتف لكن قلبي كان لا يزال على حاله رغم التطمينات ورغم كلام جو بأن ما أشعر به ليس إلا توجساً!

ليال نجيب أول مصورة شهيدة 23 يوليو -تموز 2006
ليال نجيب أول مصورة شهيدة 23 يوليو -تموز 2006

أردت أن أصدقه، لكني كنت مرتبكة حتى ضاع مني ما تبقى من رصانة! طلبت إليه أن يأخذني إلى اي مكان لأشتري مايو!.. أي مايو؟! وأنا لا أسبح أصلاً ولا في حياتي كنت ارتديت ثياب السباحة.. هذا عدا عن أن إسرائيل تقصفنا والعالم بأسره ينشغل في حربها علينا والأبطال يقاتلونها أما أنا فكنت أرتعد جبناً وأريد مايو!

تجولت في سوق صغيرة اشتريت مايو دون أن أنظر إليه.. كنت أرتجف وأتناول حبوباً مهدئة للأعصاب وأحاول أن أخبئ دموعي كي لا يعود جو إلى مواله في إغراقه لي بالتطمينات خوفاً ولطفاً منه.

وصلنا إلى الشاليه الذي كنت استأجرته في منطقة في شرقي بيروت بعد أن تعذّر علينا البقاء في منطقة كورنيش المزرعة.. وما أن دخلنا جو وأنا حتى وجدت زميلتي ديانا وهبي تبكي فتجمدت في أرضي وصرخت: من مات؟ روى أم ليال أم..؟ لم أذكر إسماً آخر من أسماء الزملاء لأنه ومع لفظي لاسم ليال كانت ديانا هزّت برأسها وكأنها تقول نعم.

ليال استُشهدت في الجنوب اللبناني وقد استهدفها العدو النذل لأنها كانت تحمل كاميرا وتمكن من التقاطها عبر راداراته لأنها استخدمت الهاتف الجوال وتحدثن مع أمها تطمئنه.. قتلوا ليال وما تمكنوا من الكاميرا التي عادت دونها وأهديتها لأهلها).. أردت أن أتأكد من الخبر الذي رفضت تصديقه لأن ليال ليست في الجنوب.. ليال في الحمرا في بيروت وهي بخير وكانت رفضت مرافقتنا حيث فررنا.. أو الصحيح أني لم ابذل جهداً كافياً لإحضارها معي لأني أعرفها عنيدة لذا لا أزال أشعر بالذنب!

تسمرت أمام الشاشات وبعد قليل أعلنت محطة الجديد تزف خبر استشهاد البطلة المصورة ليال نجيب 23 سنة من طرابلس.

ليال نجيب في التظاهرات التي عمت لبنان 2005 عقب اسشهاد الرئيس الحريري
ليال نجيب في التظاهرات التي عمت لبنان 2005 عقب اسشهاد الرئيس الحريري

اليوم وبعد مرور 11 عاماً تحضر ليال بكل قامتها البهية وبكل خجلها وطموحاتها ورقتها.. تدخل المكاتب وتطلب من الجميع أن لا يشتروا (المناقيش) من هنا وهناك بل من هذه المحال لأصحابها من الفقراء.. نستجيب لطلباتها المقنعة وتنطلق هي مطمئنة لتلتقط الصور مع زميلنا حنا الذي علمها التصوير كما علمناها جميعنا.. وفي المساء نأوي إلى بيوتاتنا فترافقني وتجلس معي على الشرفة في سن الفيل لتخبرني كم أن الحياة سخيفة ولا تستحق أن أغضب وأن ليس من حقي أن أحمل هم الغد غير المضمون وتطلب بصوت خافت وهي تكوز إصابعها أن أعيش اللحظة واستمتع.. ثم ترفع صوت زياد الرحباني عبر مكبر الصوت في الصالون لنسمع جميعاً ونطرب ونضحك ولا تسمح لأحد بأن ينتقد زياد.. كنا نتغامز ونرمي أي كلام كي تخرج قليلاً عن دماثتها علها تصرخ بنا.. وكنا نستمتع بغضيها فنضحك كثيراً لكنها مرة لم تصرخ بنا.. كانت تعبس وتدخل معنا في حوارات غضوبة لكن على طريقة الحوار فنعود لنضحك على حماسها وعشقها الوحيد لزياد الرحباني الذي حلمت بلقائه وتحقق حلمها قبل رحيلها في أحد المقاهي اللبنانية حيث كان يجلس مع الإعلامية ريما نجيم.

كانت أستاذة كاميرا وكانت بطلة لا تهاب الموت ولا تخاف شيئاً ولا تحمل سوى هم الفقراء والمساكين وكنت أعتقد أنها ستكبر وتعتنق العمل السياسي بشكل محترف لكن العدو خصص لها صاروخاً في صديقين – قانا الجنوب.

قانا الجنوب.. حيث أكبر مجزرة ارتكبها الصهاينة في 18 أبريل – نيسان العام 1996 مستخدمين عناقيد الغضب على الأطفال الرضع والشيوخ والنساء العُزّل وقتلت 250 بريئاً تستخدم قواها العالمية في سمائنا.

كنت متأكدة أن أحداً من أهلي مات.. أليست ليال نجيب من أهلي؟

نضال الأحمدية Nidal Al Ahmadieh

ليال نجيب تشارك في تزيين المكتب في عيد الميلاد
ليال نجيب تشارك في تزيين المكتب في عيد الميلاد
وترد على الهاتف تتلقى خبراً
وترد على الهاتف تتلقى خبراً
وتشارك في أنشطة اجتماعية
وتشارك في أنشطة اجتماعية
وتغطي مناسبات سياسية
وتغطي مناسبات سياسية
ليال نجيب تسلمني الصور العام 2004
ليال نجيب تسلمني الصور العام 2004
ليال نجيب تفترش الأرض وسارة تابت ورجا ناصر الدين في حرب تموز 2006 قبل أن نهرب من مكاتبنا
ليال نجيب تفترش الأرض وسارة تابت ورجا ناصر الدين في حرب تموز 2006 قبل أن نهرب من مكاتبنا
زاوية من مكتب ليال
زاوية من مكتب ليال
والدة ليال نجيب وشقيقتها في مكاتب الجرس ومعنا الزميلة ديانا وهبة
والدة ليال نجيب وشقيقتها في مكاتب الجرس ومعنا الزميلة ديانا وهبة
ديانا وهبه تزرع شجرة في صديقين - قانا الجنوب في الذكرى الأولى لاستشهاد ليال نجيب وكنا جميعاً هناك
ديانا وهبه تزرع شجرة في صديقين – قانا الجنوب في الذكرى الأولى لاستشهاد ليال نجيب وكنا جميعاً هناك
Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار