نحن في زمن (السوشيال ميديا)..
كثيرون يعتقدون أن زمن الصحافة ولّى، وما عاد للصحافي قيمة إلا أن تفاعل النجم معه وأعطاه إعجابًا أو تكرّم عليه بتعليقٍ، ليتساوى مع (فانزاته).
كنت من الذين يخافون انقراض المهنة، التي نلت على دراستها درجة ليسانس في الجامعة، وبعدها تنقلت بين عدّة مواقع، فأحبطتني تلك التجارب، لأنني وفي كلّ مرة كنت أحتاج لأن أكتب مقالًا بشرط أن أجلّ فيه نجمًا لأحصد على القليل من التفاعل، وهذا ليس ذنب أصحاب المواقع الذين يلجأون بكل الوسائل للاستمرار ودفع كلّ المستحقات السنوية المتعلقة بالبرمجة وتطوير السايت.
منذ الصغر كنت أتابع مدرسة الجرس المبتكرة، في عالم الصحافة الفنية العربية، تدهشني السيدة نضال الأحمدية، كيف استطاعت محاربة مجتمعًا ذكوريًا فعاليته طالت كلّ ميادين العمل منها الإعلام، وبنت اسمًا عريقًا واكتسبت خبرات واسعة في كلّ مجالاته من المرئي إلى المسموع فالمكتوب، ولم أتوقع يومًا أن أحظى بفرصةٍ لأصبح واحدًا من تلاميذها.
العام الماضي تحقق الحلم بعدما انضميت لأسرة موقع الجرس، كنت واثقًا أن هذه التجربة مختلفة.
بعد ٤ سنوات من إنهاء دراستي الجامعية، بدأت مهنة الصحافة تكتسب عندي رونقًا جديدًا، وتخلق بصيصًا من الأمل، هنا في الجرس، العمل مختلف لأن كل المعايير مختلفة، تعلمت كيف يكون للصحافي شأنًا، يطرح رأيًا دون أن يأبه لدفع الضريبة مهما قست، يقول كلمة الحق لو هددوه بقطع رقبته لكنه يُدرك بأنه يكون قد تمكن من رقابهم.. ومن بقلمِه يكون صادقًا تذوي الرقاب أمام حبرهِ.
الصحافة لم تنتهِ، لكن المعتدين عليها صاروا أكثر عددًا، ولا يزال الصحافي الحقيقي في موقع القوة، قادرًا على التأثير، صاحب كلمة تزلزل الأرض، ومهما كثر المتزلفون عبر المنابر، يبقى حامل الرسالة الإعلامية مميزًا ينتظره الجميع الذين يقدرون آراءه، ويعون إنه يحارب ليغيّر ولو رفضوه في البداية لأنه يجري عكس الرياح.
أمس كنت وزميلتي سارة العسراوي نغطي حفل تكريم الفنانة القديرة سميرة توفيق التي عُينت رئيسة فخرية لنقابة محترفي الغناء والموسيقى، وعندما علمت أننا من (الجرس) راحت ترحب بنا، وأعطتنا الكثير من وقتها رغم إجرائها للقاء طويل مع أحد التلفزيونات، وعندها تأكدت أن النجم الكبير لا يقبل إلا بالصحافة الأصيلة، ولا يرضى للصحافي بديلًا، ولا تجذبه لعبة صحافة (السوشيال ميديا) الهزلية.
فهمت أن النجم الحقيقي كما القارئ يدرك أن الصحافة لا تخسر مهما تطوّرت التكنولوجيا، ولا يعنيه متزلفو (السوشيال ميديا) الذين يصفقون لكلّ من كان، بل الكلمة التي يسمعها من صحافي آتٍ من مدرسة وازنت بين شعارات المهنة ومبادئها والتنفيذ، ويومًا لم تقدم تضحيات لأن بناءها متين لا يهدمه بضعة مراهقين لا يعرفون كيف يكتبون الفاصلة أو النقطة.
- في حفل د. هراتش ساغبازاريان، لم تعطنا نجمة الجماهير نادية الجندي أهمية لأنها لم تعرفنا أننا الجرس، لكنها وعندما علمت أننا من هذه المؤسسة، لم تترك وسيلةً إلا لتصالحنا وتبرر ما حدث، بصرف النظر عن مدى تواضعها ونبل أخلاقها.
- عندما وقع سوء تفاهم كبير بين إليسا ونوال الزغبي، رفضت الاثنتان أن تعلنا تصالحهما إلا عبر (الجرس) في عزاء المخرج الراحل سيمون أسمر، لأنهما تعرفان وبقرارة نفسيْهما أننا لا نستغل الخلافات، ونفعل كلّ شيء لترتقي المنافسة وتنتهي النزاعات حتى وإن رفضنا المناصفة بين الخاطئ والمخطئ، التقيتا بتحريض منا وإن كانتا لا تعرفان ووقفتا أمام كاميرتنا.
الصحافة الحقيقية لا تعاني لأن وتبقى:
- النقد الحقيقي المهني وحده الصحافي من يكتبه، أما الصوحيفي فلا يكتب إلا الغزل.
- الصحافي وحده من يحلل الأعمال الفنية بدقة ويسعى دائمًا ليقرأ ويتعلّم، ولو وصل لأعلى مراتب العالم يتجاهل المعرفة ويقول لا أزال على الشاطئ.
- الفنانون والمنتجون والكتاب لا يزالون يبحثون عن الصحافي الحقيقي بالاسم، ويتابعون مواقع بعينها دون أخرى، وينتظرون تقييمها، فيما يقرأون تغريدات رواد (السوشيال ميديا) مرة واحدة دون رجوع إليها.
- الصحافي يعمل في مهنته ولا يتاجر، أما الصوحيفي فيسعى للإعجابات وإعادة التغريدات وعدد المتابعين.
- الصحافي لا يقبل أن ينتظر فنانًا يجري معها لقاءً على الهامش، بل النجم من يسعى معه لمقابلةٍ من العمر.
- الصحافي لديه وقار وصاحب شخصية تفرض وجودها أينما حلّ، أما الصوحيفي فلا تفرّق بينه وبين (الفان)!
عبدالله بعلبكي – بيروت